ودليلنا قول رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث الحسحاس بن خباب وأبي رمثة في الابن: "إنه لا يجني عليك ولا تجني عليه" وحديث ابن مسعود أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يؤخذ الأب بجريرة ابنه ولا الابن بجريرة أبيه".
وهذه الأحاديث نصوص مع حديث أبي هريرة، ولأن عمر رضي الله عنه قضى في موالي صفية للزبير بالميراث وعلى علي بالعقل، وهو إجماع، ولأن كل من لا يحمل العقل مع وجود أهل الديوان لم يحمله مع عدمهم كالصغير والمعتوه، ولأن كل من لزمه تحمل النفقة عنه في ماله لم يلزمه تحمل العقل عنه كالزوج. وقياسهم على البعضية منتقض بالصغير والمعتوه، ثم المعنى في الفرضية عدم الولادة والبعضية واعتبارهم بالنصرة فهو شرط وليست بعلة، ويفسد بالزوج والجار.
فصل:
وإذا كان للقاتلة خطأ ابن عمها لم يعقل عنها بالتعصيب تغليبًا لحكم البنوة، وجاز أن يزوجها بالتعصيب تغليبًا لحكمه على البنوة، والفرق بينهما أن خروج الأبناء من العقل وإن كانوا عصبة لاختصاصهم بتحمل النفقة وهو يتحملها هاهنا، وإن كان ابن عم فلم يجمع بين تحملها وتحمل العقل، وخالف ولاية التزويج الذي قد وجدت فيه مع البنوة شروط العصبات، والله أعلم بالصواب.
فصل:
وإذا ثبت أن العاقلة من عدا الآباء والأبناء من العصبات لم يتحمل القاتل معهم من الدية شيئًا، واختصوا بتحملها عنه دونه.
وقال أبو حنيفة: يشاركهم في تحمل الدية ويكون فيها كأحدهم، استدلالًا بما روي أن سلمة بن نعيم قتل مسلمًا ظنه كافرًا فقال له عمر: ديته عليك وعلى قومك، ولم يظهر له مخالف.
ولأن تحمل الدية عن القاتل مواساة له وتخفيف عنه فلم يجز أن يتحمل عنه ما لا يتحمله عن نفسه كالنفقة، ولأن تحملها عنه نصرة له وهو أحق بنصرة نفسه من غيره.
ودليلنا حديث جابر أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل دية المقتولة على عاقلة القاتلة فكان الظاهر أن جعل جميعها على العاقلة، ولأن تحمل المواساة يوجب استيعاب ما وقعت به المواساة كالنفقة وزكاة الفطر، وفيه انفصال عما استدلوا به من المواساة، ولأنه لما تفرد القاتل بدية العمد وجب أن تتفرد العاقلة بدية الخطأ، لأن الدية مستحقة في جهة واحدة، وحديث عمر محمول على أ، هـ جعلها عليه وجوبًا وعلى قومه تحملًا.
وأما النصرة فلا اعتبار بها، لأن الزوج ينصر زوجته ولا يعقل عنها، وعلى أن العاقلة قد كفوه النصرة.