قال في الحاوي: وهو كما قال، لا يعقل من العصبات إلا الرجال العقلاء الأحرار دون النساء والصبيان والمجانين والعبيد، لأمرين:
أحدهما: أنها مختصة بأهل النصرة من العصبات.
والثاني: أن يحمل العقل في الإسلام بدل من المنع بالسيف في الجاهلية، وذلك مختص بالرجال العقلاء الأحرار.
فإن قيل: فسهم ذوي القربى مستحق بالنصرة ولذلك ضم رسول الله صلى الله عليه وسلم بني المطلب إلى بني هاشم وقال: "لأنهم ما افترقوا في جاهلية ولا إسلام"، ثم سوى فيه بين الرجال والنساء والصبيان فهلا كان العقل بمثابته، وإن كان مستحقًا بالنصرة؟
قيل: لأن سهم ذوي القربى مستحق بالقرابة، وإن أثرت في النصرة فلذلك كان للذكر فيه مثل حظ الأنثيين، فلذلك أجرى عليهما حكم المواريث وخالفت العقل الذي هو مقصور على التعصيب والنصرة.
فصل:
فإذا تقرر هذا فلا فرق في العاقلة بين المقاتلة وغير المقاتلة، لأن جميعهم من بين ناصر بيد أو لسان، فأما الشيوخ والمرضى فمن كان منهم باقي المنة ولم ينته إلى عجز الهرم والإياس بالمرض تحملوا العقل، فقد تحمل عمار بن ياسر العقل، وهو شيخ كبير يحارب في محفة، فأما من انتهت به السن إلى عجز الهرم وانتهى به المرض إلى الزمانة حتى لم يبق فيهما نهضة ولا يقدران على الحضور في جميع ففيهم وجهان مخرجان من اختلاف قولي الشافعي فيهم: هل يقتلون إذا أسروا في الشرك؟ فإن قيل: يقتلون عقلوا، وإن قيل: لا يقتلون لم يعقلوا.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويؤدي العاقلة الدية في ثلاث سنين من حيث يموت القتيل".
قال في الحاوي: وهذا كما قال، الدية تجب على العاقلة بموت القتيل، وهو أول أجلها، سواء حكم بها الحاكم عليهم أو لم يحكم.
وقال أبو حنيفة: لا تجب الدية على العاقلة إلا بحكم الحاكم، فإذا حكم بها عليهم فهو أول وقت الأجل احتجاجًا بأن تحمل العقل يختلف فيه فلم يستقر وجوبه إلا بحكم، ولم يتأجل إلا بعد الحكم كالعنة.
ودليلنا: هو أن كل ما وجب بسبب تعلق وجوبه بوجود السبب كالأثمان في المبيع تجب بوجود المبيع وهو أول المؤجل، ولأنها مواساة يعتبر فيها الحول فلما يقف