والثالث: ما اختلف فيه هل هو مضروب للوجوب أو للأداء على وجهين، وهو حول الجزية.
فإذا تقرر هذا فالفقر والغني في العاقلة معتبر عند انقضاء الحول وقت الأداء ولا يعتبر في أوله وقت الوجوب، فإن قيل: فالاعتبار بوقت وجوبه أولى من الاعتبار بوقت أدائه كالجزية.
قيل: لأن الجزية معينة فاعتبر بها وقت وجوبها، والدية تجب بالقتل على الإطلاق ولا يتعين إلا عند الاستحقاق، ألا ترى لو مات أحد العاقلة قبل الحلول لم تؤخذ من تركته، ولو تعين استحقاقها لأخذت، فإذا تقرر اعتبار الغني والفقر عند الحلول الحول فمن كان منهم عند الحلول، غنيًا وجبت عليه، وإن كان فقيرًا في أوله، ومن كان منهم عند الحول فقيرًا لم تجب عليه وإن كان غنيًا في أوله، فلو حال الحول على غني فلم يؤدها حتى افتقر كانت دينًا عليه، ولم تسقط عنه بفقره، لأنها تعينت عليه وقت غناه، وينظر بها إلى ميسرته، ولو حال الحول على فقير فلم يستوف حتى استغنى لم يجب عليه بغناه، لأنه تعين سقوطها عنه وقت فقره.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ومن غرم في نجم ثم أعسر في النجم الآخر تُرك".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، لأن الغني والفقر معتبر في كل حول فلم يتعين في الحول إلا النجم الذي يستحق فيه، فمن كان غنيًا في الأحوال الثلاثة تحمل العقل في جميعها، ومن كان منهم فقيرًا في الأحوال الثلاث سقط عنه العقل في جميعها، ومن كان غنيًا في بعضها، ومفتقرًا في بعضها وجب عليه العقل في حول غناه وسقط عنه في حول فقره، فلو ادعى فقرًا بعد الغني أحلف ولم يكلف البينة على فقره، لأنها لا تجب عليه إلا مع العلم بغناه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإن مات بعد حلول النجم مؤسرًا أخذ من ماله ما وجب عليه".
قال في الحاوي: وهذا كما قال، إذا مات من العاقلة موسر بعد الحلول وقبل الأداء لم يسقط عنه العقل بموته.
وقال أبو حنيفة: يسقط عنه بالموت استدلالًا بأمرين:
أحدهما: أنها مواساة فأشبهت نفقات الأقارب.