فيصير المأخوذ من المكثر في كل سنة منها سدس دينار، والمأخوذ من المقل في كل سنة نصف سدس دينار، والأول أشبه، لأن لكل سنة حكمها، فإذا ثبت هذا لم يجز العدول عن الإبل مع وجودها، ومعلوم أن قيمة تعيين إبل الدية أكثر من نصف دينار، ولا يمكن أن تتجزأ فينفرد كل واحد منهم بجزء قيمته نصف دينار، فوجب أن يشترك في أداء البعير الواحد العدد الذين يكون قسط الواحد من ثمنه نصف دينار إن كان مكثرًا، وربع دينار إن كان مقلًا، وهذا عدد لا يمكن حصره، لأن البعير قد تزيد قيمته في حال وثقل في أخرى، وإن أعوزت الإبل عدل إلى الدنانير إما مقدرة بألف دينار على قوله في القديم، أو بقيمة مائة بعير على قوله في الجديد، يحمل المكثر منها نصف دينار والمقل ربع دينار، وإن عدل عنه إعواز الإبل إلى الدراهم فإن قدرت باثني عشر ألف درهم على قوله في القديم تحمل المكثر منها ستة دراهم والمقل ثلاثة دراهم، لأن الدينار فيها مقابلًا لاثني عشر درهمًا، وإن قدرت بقيمة مائة بعير ففيه وجهان محتملان:
أحدهما: أن يتحمل المكثر منها ستة دراهم والمقل ثلاثة دراهم على ما ذكرنا لو قدرت بالدراهم اعتبارًا بقيمة الدينار على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والثاني: أنه لما عدل بالإبل إلى قيمة الوقت وجب أن يعدل بالدينار إلى قيمة الوقت، فيتحمل المكثر من الدراهم قيمة نصف دينار بسعر وقيمة، والمقل قيمة ربع دينار، لأن الدينار في وقتها أكثر قيمة منه في وقت الرسول صلى الله عليه وسلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويحمل كل ما كثر وق من قتلٍ أو جرحٍ من حر وعبدٍ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حملها الأكثر دل على تحميلها الأيسر".
قال في الحاوي: اختلف الفقهاء فيما تحمله العاقلة من الدية على خمسة مذاهب:
فقال الشافعي: يحمل كل ما كثر وقل من قتل وجرح.
وقال قتادة: تحمل دية النفس في القتل ولا تحمل ما دون النفس ويتحمله الجاني.
وقال مالك وأحمد بن حنبل تحمل ثلث الدية فصاعدًا ويتحمل الجاني ما دون الثلث.
وقال الزهري: يتحمل العاقلة ما زاد على الثلث ويتحمل الجاني الثلث فما دون. وقال أبو حنيفة: يتحمل العاقلة نصف عشر الدية فما زاد، ويتحمل الجاني ما دون ذلك واستدل قتادة بأن حرمة النفس أغلظ لاختصاصها بالكفارة والقسامة فاختصت بتحمل العاقلة.
واستدل مالك وأحمد بأن العاقل مواسي يتحمل ما أجحف تحصينًا للدماء، وما دون الثلث غير مجحف فلم يتحمله.