فلا يمنع ذلك من وجوب الأرش وإن لم يرد فيه شرع لم يمنع من تحمل العقل، وإن لم يرد فيه شرع، وما قاله من إجزائه في سقوط القصاص وتقدير الأرش مجرى الأموال فمنتقض بالأنملة يجب فيها القصاص ويتقدر أرشها بثلث العشر ولا تتحملها العاقلة عنده وقد لا يجب القصاص فيما زاد على نصف العشر ولا يتقدر أرشه وتحمله العاقلة فبطل ما اعتد به ولم يبق إلا حفظ الدماء بالتزام العاقلة لأورشها وهذا يصح قليلها وكثيرها.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "فإن كان الأرش ثلث الدية أدته في مُضر سنة من يوم جُرح المجروح فإن كان أكثر من الثلث فالزيادة في مضي السنة الثانية فإن زاد على الثلثين ففي مضي السنة الثالثة وهذا معنى السنة".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، إذا وجب ثلث الدية من جرح أو طرف أدته العاقلة في سنة واحدة لأنها تلتزم في جميع الدية أداء ثلثها في كل سنة، وإن وجب ثلث الدية في نفس كدية اليهودي والنصراني ففيه وجهان على ما مضى:
أحدهما: تؤديه العاقلة في سنة واحدة اعتبارًا بدية الجرح.
والثاني: أن تؤديه في ثلاث سنين اعتبارًا بدية النفس، وكذلك نصف العشر في دية الجنين يكون على هذين الوجهين؛ لأنها دية نفس.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا تحمل العاقلة ما جني الرجل على نفسه".
قال في الحاوي: إما إذا جني على نفسه عمدًا ققطع يده أو قتل نفسه إما لغيظ أو حمية، وإما من سفه وجهالة، فجنايته هدر لا يؤاهذ بها إن كان حيًا، ولا يؤخذ بها أرشه إن كان ميتًا، وعليه الكفارة في ماله، فيكون نفسه مضمونة عليه بالكفارة، وغير مضمونة عليه بالدية، لأن الدية من حقوقه فسقط عنه، والكفارة من حقوق الله تعالى فوجبت عليه كما لو قتل عبده سقطت عنه القيمة لأنها له ووجبت عليه الكفارة لأنها لله تعالى.
فصل:
فأما إذا جني على نفسه خطأ فقطع يده بانقلاب سيفه عليه أو قتل نفسه بعود سهمه إله فجنايته هدر كالعمد في قول أكثر الفقهاء، وعاقلته براء من ديته.
وقال الأوزاعي وأحمد وإسحاق: تتحمل عاقلته ما جناه على نفسه يؤدونه إليه إن كانت على طرف، والورثة إن كانت على نفس، استدلالًا بما روي أن رجلًا ركب دابة له وضربها بخشبة كانت يده فطارت منها شظية ففقأت عينه فذكر ذلك لعمر بن الخطاب