قال في الحاوي: وتفصيل هذا أنه إذا حفر بئرًا لم يخل حاله في حفرها من أحد أربعة أقسام:
أحدها: أن يحفرها في ملكه.
والثاني: أن يحفرها في ملك غيره.
والثالث: أن يحفره في الموات.
والرابع: أن يحفرها في طريق سابل.
فأما القسم الأول وهو أن يحفرها في ملكه فهو مباح، ولا ضمان عليه فيما سقط فيها من بهيمة، أو إنسان، بصير أو ضرير سواء كان الدخول بأمر وغير أمر إذا كانت ظاهرة، ولكن لو حفر بئرًا في ممر داره وغطاها عن الأبصار ودخل إليها من سقط فيها فمات فلا يخلو حال الداخل من ثلاثة أحوال:
أحدها: أن يدخلها بغير أمر فو متعد بالدخول ونفسه هدر.
والثانية: أن يكرهه الحافر على الدخول، فيضمن ديته لتعديه بإكراهه على الدخول.
والثالثة: أن يدخلها مختارًا بإذن الحافر، فإ أعلمه بها فلا ضمان عليه، وإن لم يعلمه بها، وهو بصير ولها آثار تدل عليها فلا ضمان عليه وإن لم تكن لها آثار أو كان لها آثار والداخل أعمى ففي وجوب الضمان قولان: أحدهما: وهو الأظهر، المنصوص عليه أنه لا ضمان عليه، وتكون نفس الواقع فيها هدرًا، ولأنه دخل باختيار والحفر مباح.
والثاني: يضمن الحافر دية الواقع تخريجًا من أحد قوليه فيمن سم طعامًا وأذن في أكله.
فصل:
وأما القسم الثاني وهو أن يحفر بئرًا في ملك غيره فهو على ضربين:
أحدهما: أن يحفرها المالك فلا ضمان فيما سقط فيها على الحافر ولا على المالك لأن كل واحد منهما غير متعد، ويخرج الحافر بالإذن من عواقب الحفر.
والثاني: أن يحفرها بغير إذن مالكها فالحافر، متعد بحفرها وهو الضامن لما تلف فيها من إنسان أو بهيمة، سواء قدر المالك على سدها أو لم يقدر لخروجه عن عدوان الحفر، فإن أراد الحافر أن يطمها ليبرأ من ضمانها أخذ المالك بتمكينه من طمها ليبرأ من ضمان ما سقط فيها، فإن أبرأه المالك من الضمان ففيه وجهان:
أحدهما: أنها براءة باطلة لتقدمها على الوجوب، فعلى هذا يؤخذ بتمكين الحافر من طمها.
والثاني: يبرأ ويكون الإبراء جاريًا ومجرى الإذن بالحفر، فعلى هذا يمنع الحافر من طمها.