ورق ولا ذهب، سواء قيل في دية النفس إنه مخير بين الإبل والورق والذهب على قوله في القديم، أو قيل: لا يؤخذ فيها إلا الإبل مع وجودها على قوله في الجديد، وإنما كان كذلك للفرق بينهما شرعاً في أن النص لم يرد في الجنين إلا بالغرة، وإنما عدل إلى قيمتها بالاختلاف نفياً للجهالة عنها، والنص وارد في دية النفس بالإبل والورق والذهب فافترقا، فإن عدمت الغرة دعت الضرورة غلى العدول غلى قيمتها كالطعام المغصوب الذي يستحق مثله، فإن عدم المثل عدل إلى قيمته، وفي المعدول غليه من القيمة وجهان بناء على اختلاف الوجهين فيما يقوم به الغرة مع وجودها:
أحدهما: وهو قول البغداديين: يعدل عند عدمها غلى الورق إذا قيل غنها تقوم بالورق، فعلى هذا تؤخذ عنها في الخطأ المحض ستمائة درهم وفي عمد الخطأ ثمانمائة درهم.
والثاني: وهو قول البصريين: يعدل على الغرة عند عدمها إلى الإبل إذا قيل تقوم بقيمة خمس من الإبل، فعلى هذا يؤخذ في الخطأ المحض خمس من الإبل أخماساً، وفي عمد الخطأ خمس من الإبل أثلاثاً، فإن أعوزت الإبل صار كإعوازها في دية النفس، فهل يعدل إلى قيمتها ما بلغت، أو إلى المقدر فيها من الورق والذهب على ما مضى من القولين؟ القديم منها يعدل غلى المقدر فيجب عنها ستمائة درهم أو خمسون ديناراً يزاد عليها في التغليظ ثلثها، وعلى قوله في الجديد يعدل عنها إلى قيمة خمس من الإبل ما بلغت قيمتها من ورق أو ذهب والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويغرمها من يغرم ديه الخطأ ".
قال في الحاوي: وهذا صحيح؛ لأن العمد المحض في الجناية على الجنين يمتنع لامتناع مباشرته لها، وكانت من بين خطأ محض تتخفف فيه الغرة كما تتخفف ديات الخطأ وبين عمد الخطأ تتغلظ فيه الغرة كما تتغلظ ديات عمد الخطأ، وإذا كان كذلك وجبت الغرة على العاقلة في حالي تخفيفها وتغليظها وأوجبها مالك في مال الجاني بناء على أصله في أن العاقلة لا تتحمل عنده إلا ما زاد على ثلث الدية، والدليل عليه مع ما تقدم من دليل الأصل أن النبي صل الله عليه وسلم قضى بالغرة في الجنين على العاقلة، فقالوا: كيف ندى من لا ضرب ولا أكل ولا صاح ولا استهل، ومثل ذلك بطل، وفي مدة ما تؤديها العاقلة وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي: تؤديها في ثلاث سنين، لأنها دية نفس فشابهت كمال الدية.
والثاني: تؤديها في سنة واحدة، لأن قسط العاقلة في كل سنة من دية النفس ثلثها،