قال عمر: فشرح الله صدري للذي شرح له صدر أبي بكر فحينئذٍ أجمعوا معه على قتالهم مع بقائهم على إسلامهم ولم يكن الإسلام مانعًا من قتالهم، لأنهم منعوا حقًا عليهم.
وكذلك حال علي عليه السلام في قتال من قاتل من المسلمين.
ولا يكون كف عثمان وتسليم الحسن رضي الله عنهما حجة عليه، لأن لكل وقت حكمًا، ولكل مجتهد رأيًا.
ولا يمنه الإسلام مانعي الزكاة في عهد أبي بكر من إطلاق اسم الردة عليهم لغة، وإن لم ينطلق عليهم شرعًا؛ لأنه لسان عربي، والردة في لسان العرب الرجوع، كما قال تعالى: {فَارْتَدَّا عَلَى آثَارِهِمَا قَصَصًا} الكهف:64 أي رجعا، فانطلق اسم الردة على من رجع عن الزكاة كانطلاقه على من رجع عن الدين.
فهذا أحد الأمرين في مراد الشافعي بهذه المسألة.
وأما الأمر الثاني من مراده بها: فالكلام مع أبي حنيفة في مانعي الزكاة، وهم ضربان: ضرب: منعوها في عهد أبي بكر، وضرب: منعوها من بعد.
فأما مانعوها على عهد أبي بكر: فهم من قدمنا ذكرهم بما اشتبه عليهم من تأويل الآية، فلا يكونوا مرتدين وهم باقون على إسلامهم.
وقال أبو حنيفة: قد ارتدوا بامتناعهم عنها، لاستحلالهم من نص الله تعالى على خلافه، كما لو استحلوا الآن منعها وهذا غير صحيح؛ لأن الصحابة عارضوا أبا بكر رضى الله عنهم في الأمر بقتالهم لبقائهم على الإسلام فوافقهم أبو بكر على إسلامهم، وبين السبب الموجب لقتالهم، ولو ارتدوا لما عارضوه، ولما احتج عليهم بما احتج، فدل على إجماعهم أنهم باقون على إسلامهم ولأن القوم حين تابوا وقدموا على أبي بكر قالوا: والله ما كفرنا بعد إيماننا ولكن شححنا على أموالنا.
وقد بان هذا القول منهم في قول شاعرهم:
ألا أصبحينا قبل ثائرة الفجر لعل منايانا قريب وما ندري
أطعنا رسول الله ما كان بيننا فيا عجبًا ما بال ملك أبي بكر
فإن الذي سألوكم فمنعتم لكالتمر أو أحلى إليهم من التمر
سنمنعهم ما كان فينا بقية كرام على العزاء في ساعة العسر
فلم يرد عليهم أبو بكر ولا أحد من الصحابة ما قالوه من بقائهم على إيمانهم فدل على ثبوته إجماعًا.
فصل:
فأما مانعوا الزكاة من بعد فضربان:
أحدهما: من منعها مستحلًا لمنعها، فيكون باستحلال المنع مرتدًا، وإن لم يكن