أحدهما: وهو قول أبي حنيفة واختيار أبي علي بن أبي هريرة أنها مستحبة وليست بواجبة, لأن وجوب الاستتابة يوجب حظر دمه قبلها, وهو غير مضمون الدم لو قتل قبلها, فدل على استحبابها.
والثاني: وهو أصح أن الاستتابة واجبة لما قدمناه من الخبر والأثر, ولأن الاستتابة في حق المرتد في حكم إبلاغ الدعوة لأهل الحرب, وإبلاغ الدعوة واجبة, فكذلك الاستتابة.
ولأن المقصود بقتل المرتد إقلاعه عن ردته, والاستتابة أخص بالإقلاع عنها من القتل, فاقتضى أن تكون أوجب منه.
فصل:
فإذا تقرر حكم الاستتابة في الوجوب والاستحباب, فهل يعجل قتله عند الامتناع من التوبة أو يؤجل ثلاثة أيام؟ فيه قولان:
أحدهما: وهو اختيار المزني أنه يعجل قتله ولا يؤجل, وبه قال أبو حنيفة, إلا أن يسأل الإنظار فيؤجل ثلاثًا لقول النبي صلى الله عليه وسلم: "من بدل دينه فاقتلوه" ولأنه حد فلم يؤجل فيه كسائر الحدود.
والثاني: يؤجل ثلاثة أيام, وبه قال أحمد بن حنبل, وإسحاق بن راهويه.
وقال سفيان الثوري: ينظر ماكان يرجو التوبة. ودليل تأجيله ثلاثًا: قول عمر رضي الله عنه حين أخبر بقتل المرتد: هلا حبستموه ثلاثًا, اللهم لم أحضر ولم أمر .. الخبر.
ولأن الله قضى بعذاب قوم ثم أنظرهم ثلاثًا فقال: {تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاثَةَ أَيَّامٍ ذَلِكَ وعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ} هود 65.
ولأن المقصود منه استبصاره في الدين ورجوعه إلي الحق, وذلك مما يحتاج فيه إلي الارتياء والفكر, فأمهل بما يقدر في الشرع من مدة أقل الكثير, وأكثر القليل وذلك ثلاثة أيام:
فعلى هذا: في تأجيله بهذه الثلاث قولان:
أحدهما: أنها مستحبة إن قيل: إن الاستتابة مستحبة.
والثاني: أنها واجبة إن قيل: إن الاستتابة واجبة.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ويوفق ماله".
قال في الحاوي: حكم الردة مشتمل على فصلين:
أحدهما: في نفس المرتد, وهو القتل وقد مضى.