نساؤهم، سواء كانوا عربًا أو عجمًا، ويقاتلوا حتى يسلموا أو يقتلوا.
وقال مالك: تقبل جزيتهم إلا أن يكونوا من قريش، فلا يقبل منهم إلا الإسلام.
وقال أبو حنيفة: تقبل جزيتهم إلا كانوا عجمًا ولا تقبل جزيتهم إن كانوا عربًا حتى يسلموا، احتجاجًا بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا أدلكم على كلمة تدين لكم بها العرب، وتؤدي الجزية إليكم بها العجم؟ شهادة إن لا إله إلا الله" فعم الجزية جميع العجم ما عم بالدين جميع العرب، فدل على افتراقهما في حكم الجزية.
وروى سليمان بن بريده عن أبيه، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا بعث أميرًا على سرية أوصاه بتقوى الله في خاصة نفسه وبمن معه من المسلمين خيرًا وقال: "إذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلي إحدى خصال ثلاث، فإلي أيتهن أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ادعهم إلي إعطاء الجزية فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن أبوا فاستعن بالله وقاتلهم" وهذا نص في أخذ الجزية من المشركين من غير أهل الكتاب ولأن من جاز استرقاق نسائهم جاز أخذ الجزية من رجالهم كأهل الكتاب، ولأن الجزية ذل وصغار، فإذا جرت على أهل الكتاب وهم أفضل، كان إجراؤها على من دونهم من عبادة الأوثان أولى.
ودليلنا قوله تعالى: {فَإذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الحُرُمُ فَاقْتُلُوا المُشْرِكِينَ حَيْثُ وجَدتُّمُوهُمْ وخُذُوهُمْ واحْصُرُوهُمْ واقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإن تَابُوا وأَقَامُوا الصَّلاةَ وآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ}. فكان الأمر بقتلهم حتى يسلموا عامًا، وخص منهم أهل الكتاب بقبول الجزية، فقال: {قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ ولا بِالْيَوْمِ الآخِرِ} إلي قوله تعالى: {مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الجِزْيَةَ عَن يَدٍ}. فكان الدليل في هذا من وجهين:
أحدهما: أن استثناء أهل الكتاب منهم يقتضي خروج غيرهم من استثنائهم، ودخولهم في عموم الأمر.
والثاني: أنه جعل قبول الجزية مشروطًا بالكتاب، فاقتضى انتفاؤها عن غير أهل الكتاب.
وروى أبو صالح عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله، فإذا قالوها عصموا مني دماءهم وأموالهم" فكان على عمومه، إلا ما خصه دليل، ولأن عمر رضي الله عنه امتنع من أخذ الجزية من المجوس لشكه فيهم أنهم من أهل الكتاب، حتى أخبره عبد الرحمن بن عوف أن النبي صلى الله عليه وسلم أخذها من مجوس