وروى عبد الله بن أبي أوفى قال: أصبنا طعامًا يوم خيبر، قال: فكان الرجل يجيء فيأخذ منه مقدار ما يكفيه وينصرف، فدل ذلك على إباحته، ولأن أزواد المجاهدين تنفذ ويصعب نقلها من بلاد الإسلام إليهم، ولا يظفرون بمن يبيعها عليهم، فدعت الضرورة إلي إباحتها لهم.
فإذا ثبت إباحتها لهم، فقد اختلف أصحابنا هل تعتبر الحاجة في استباحتها أم لا؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول الجمهور والظاهر من مذهب الشافعي، أن الحاجة غير معتبرة في استباحتها وأنه يجوز لهم أن يأكلوا ويعلفوا دوابهم، مع الحاجة، والغنى والوجود والعدم، واعتبارًا بطعام الولائم.
والثاني: وهو قول أبي علي بن أبي هريرة إنهم لا يستبيحونه إلا مع الحاجة اعتبارًا بأكل المضطر من طعام غيره هو ممنوع منه إلا عند حاجته واعتباره بالمضطر خطأ من وجهين:
أحدهما: أن المضطر لا يستبيح إلا عند خوف التلف وهذا مباح، وإن لم يخف التلف.
والثاني: أن المضطر ضامن، وهذا غير ضامن فافترقنا.
فصل:
فإذا تقرر ما وصفنا من إباحة الأكل، جاز أن يأكل ما يقتاته وما يتأدم به وتفكه من ذلك ولا يقتصد على الأقوات وحدها اتفاق من أصحابنا وهو حجة أبي علي بن أبي هريرة في اعتبار الحاجة، ويجوز أن يدخر منه، إذا اتسع قدر ما يقتاته مدة مقامه، فإن ضاق كان أسوة غيره فيه، ويجوز أن يذبح المواشي ليأكلها، ولا يذبحها لغير الأكل روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عن ذبح البهائم إلا لمأكله. ولا يجوز أن يتخذ جلودها حذاء ولا سقاء لاختصاص الإباحة بالأكل، فأشبه طعام الولائم، ولا يجوز أن يعدل عن المأكول والمشروب إلي ملبوس ومركوب، فأما الأدوية فضربان: طلاء ومأكول.
فأما الطلاء من الدهن والضماد فمحسوب عليه إن استعمله، وأما المأكول ففيه ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه ممنوع منه إلا بقيمة محسوبة عليه من سهمه لخروجها عن معهود المأكول.
والثاني: أنها مباحة له وغير محسوبة عليه لأن ضرورته إليها أدعى، فكانت الإباحة أولى.
والثالث: أنها إن كانت لا تؤكل إلا تداويًا، حسبت عليه من سهمه وإن أكلت لدواء غير دواء لم تحسب عليه.