قال في الحاوي: وهو كما ذكر يجوز أن يقطع على أمل الحرب نخلهم وشجرهم ويستهلك عليهم زرعهم وثمرهم، إذا علم أنه يفضي إلى الظفر بهم، ومع أبو حنيفة من ذلك استدلالا بقول الله تعالى: {ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ}، وهذا فساد، ولما روي أن أبا بكر بعث جيشاً إلى الشام ونهاهم عن قطع شجرها ولأنها قد تصير دار الإسلام، فيصير ذلك غنيمة للمسلمين.
ودليلنا ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم حاصر بني النضير في حصونهم بالبويرة حين نقضوا عهدهم
فقطع المسلمون عليهم عددا من نخلهم ورسول الله صلى الله عليه وسلم يراهم إما بأمره وإما لإقراره.
واختلف في سبب قطعها فقيل لإضرارهم بها، وقيل: لتوسعة موضعها لقتالهم فيه، فقالوا وهم يهود أهل الكتاب: يا محمد ألست تزعم أنك نبي تريد الصلاح، فمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل وقال شاعرهم سماك اليهودي:
ألسنا ورئنا كتاب الحكيم على عهد موسى ولم يصدف
وأنت رعاة لشاة عجاف يسهل تهامة والأخيف
ترون الرعاية مجدا لكم لدى كل دهر لكم مجحفا
فيا أيها الشاهدون انتهوا عن الظلم والمنطق المؤنف
لعل الليالي وصرف الدهور يدركن عن العادل المنصف
بقتل النضير وإجلالها وعقر النخيل ولم تخطف
فقال حسان بن ثابت:
هم أوتوا الكتاب فضيعوه وهم عمي عن التوراة نور
كفرتم بالقرآن وقد أتيتم بتصديق الذي قال النذير
فهان على سراة بني لؤي حريق بالبويرة مستطير
فقال المسلمون: يا رسول الله: هل لنا فيما قطعنا من أجر؟ أو هل علينا فيما قطعنا من وزر؟ وحينا انزل الله قوله تعالى: {مَا قَطَعْتُم مِّن لِّينَةٍ أَوْ تَرَكْتُمُوهَا قَائِمَةً عَلَى أُصُولِهَا فَبِإذْنِ اللَّهِ ولِيُخْزِيَ
الفَاسِقِينَ} وفي اللينة ثلاثة أقاويل:
أحدهما: أنها العجوة من النخل، لأنها أم الإناث، كما أن العتق أم النحول، وكانتا مع نوح في السفينة،
ولذلك شق عليهم قطعها.
والثاني: أنها الفسيلة، لأنها ألين من النخلة.
والثالث: أنها جمع النخل والشجر للينها بالحياة.
فإن قيل: فهذا منسوخ يقوله تعالى: {ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إصْلاحِهَا}. فعنه جوابان:
أحدهما: أنه يقضي إلى الظفر بالمشركين وقوة الدين كان (صلاحاً)، ولم يكن