واحدًا، بخلاف ما لو تترسوا بأطفالهم في جواز رميهم على أحد القولين، لأن نفس المسلم محظورة لحرمة دينه، ونفوس أطفالهم محظورة لحرمة المغنم، ولو كان في دارهم مسلم، ولم يتترسوا به جاز رميهم بخلاف لو تترسوا به، لأنهم إذا تترسوا به كان مقصودا، وإذا لم يمسوا به فهو غير مقصود، فهذا حكمه في وجوب الكف عن رميهم، فأما الكف عن حصارهم فعلى ضربين:
أحدهما: أن يأمن على ما في أيديهم من أسرى المسلمين أن يقتلونهم، فيجوز حصارهم والمقام على قتالهم.
والثاني: أن لا يأمن عليهم، ويغلب في الظن أنهم يقتلونهم، إن أقمنا على قتالهم فهذا على
ضربين:
أحدهما: أن لا يكون علينا في الكف عنهم ضرر، فالواجب أن يكف عن حصارهم استبقاءًا
لنفوس المسلمين لئلا يتعجل بقتلهم ضرراً وليس في متاركهم ضرر.
والثاني: أن يكون علينا في الكف عن المشركين ضرر لخوفنا منهم على حريم المسلمين. وحرمهم، فلا يجب الكف عنهم ولا الامتناع عن قتالهم، فإن قتلوهم استدفاعاً لأكثر الضررين بأقلهما وكان وجوب المقام على قتالهم معتبرا بالضرر المخوف منهم، فلن كان معجلاً وجب المقام عليهم، وإن كان مؤجلًا لم يجز للمقام إلا عند تجدده وحدوثه، فهذا حكم الضرب الأول إذا تترسوا بهم قبل التحام القتال.
فصل:
والثاني: أن يتترسوا بهم بعد التحام القتال، فلا يجوز أن يولي المسلمون عنهم لأجل الأسرى، لأن فرض قتالهم قد تعين بالتقاء الزحفين، ويجوز أن يرميهم المسلمون ما أقاموا على حربهم، ويتعمدون بالرمي ويتوقوا رمي من تترسوا بهم من المسلمين فإن ولوا عن الحرب فعلى ضربين:
أحدهما: أنه يمكن استنقاذ الأسرى منهم إن اتبعوا، فواجب أن يتبعوا حتى يستنقذ الأسرى منهم، لما يلزم من حراسة الإسلام وأهله، لقول الله تعالى: {ومَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا}
والثاني: أنه لا يمكن استنقاذ الأسرى منهم، فهذا على ضربين:
أحدهما: أن يخاف المسلمون من أتباعهم، فلا يجوز لهم أن يتبعوهم وعليهم أن يكفوا عنهم إذا
انهزموا لتحريم التغرير بالمسلمين.
والثاني: أن لا يخلفهم المسلمون إلا كخوفهم في المعركة، فلا يجب إتباعهم ولا يجب الكف
عنهم، وأمير الجيش فيهم بخير النظرين في اعتماد الأصلح من إتباعهم، أو الكف عنهم.