الفصل
وهذا كما دل: إذا انكسر عظمه، فاحتاج أن يرقعه بعظم نظر، فإن رقعه بعظم طاهر، وهو عظم ذكي يؤكل لحمه جاز، ولذلك إذا انقلعت سنه، فجعل مكانها سن حيوان يؤكل لحمه ذكياً جاز، وإن أراد أن يرقعه بعظم نجس، وهو عظم كلب أو خنزير أو عظم ميتة لم يخل من أحد أمرين، إما أن يكون مضطراً إليه، أو غير مضطر، فإن كان مضطرا إليه، بأن لم يجد غيره جاز له، أن يرفعه به، لأنه موضع ضرورة، فهو كأكل الميتة، وإن لم يكن مضطراً إليه لم يجز أن يرقعه به، فإن خالف ورقع به، هل يلزمه قلعه؟ لا يخلو من ثلاثة أحوال:
إما أن لا ينبت اللحم أو نبت، ولا يخاف التلف من قلعه، أو يخاف التلف من قلعه، فإن لم ينبت عليه اللحم يلزمه قلعه وإزالته بمنزلة النجاسة على ظاهر البدن، وإن نبت عليه اللحم، ولكنه لا يخاف التلف من قلعه فعليه أن يقلعه، وان كان يدخل عليه وجع شديد ومشقة عظيمة، فإن فعل، وإلا أجبره السلطان على قلعه لأن صلاته لا تصح إلا بقلعه، فهو كما لو ترك الطهارة يجبره السلطان عليها كذلك ههنا، فإن توانى ولم يقلعه وصلى يلزمه إعادة كل صلاة صلاها، وهو حامل له.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: "إذا التحم لا يلزم قلعه 174 ب / 2 أصلاً"، وإنما يتصور الخلاف معه في عظم الخنزير، فإن عنده كل عظم طاهر إلا عظم الخنزير، وهذا غلط، لأنه أوصل نجاسة غير معفو عنها إلى غير معدنها ولا يخاف التلف من إزالتها، فيلزمه إزالتها، فإن قيل: أليس لو شرب خمراً، أو أكل لحم الخنزير، أو الميتة لا يلزمه أن يتقيأ؟ قلنا: فيه وجهان:
أحدهما: يلزمه إزالته بالاستقاء كما يلزم قلع العظم في مسببنا.
والثاني: لا يلزمه ذلك، وهو اختيار صاحب "الإفصاح". والفرق أن هناك أوصل النجاسة إلى معدن النجاسة وموضعها، وههنا يوصلها إلى غير معدنها، فبان الفرق بينهما.
ومن أصحابنا من قال: قال الشافعي رضي الله عنه في كتاب صلاة الخوف: "لو أسر رجل فحمل على شرب محرم ففعل للضرورة، فعليه أن يتقيأ إن قدر عليه". قال هذا القائل: وهذا هو المذهب لأن تغذي البدن به محرم.
وقد روي عن عمر رضي الله عنه أنه شرب لبناً، فقيل له: "إنه كان من إبل الصدقة، فتقيأ". والصحيح عندي ما سبق، فإن قيل: أليس لو غصب خيطاً فخاط به جرح نفسه لا يجبر على نزعه، وان كان لا يخاف التلف، قلنا: لأن له بدلاً يرجع إليه، وهو القيمة، فلا يجبر على نزعه، ويلزمه دفع قيمته بخلاف هذا، ولو مات قبل قلعه، فهل يقلع عنه بعد وفاته أم لا؟.