رسوله والمؤمنين، وإنها لا تحل لأحد بعدي، ولم تحل لأحد قبلي، وإنما أحلت لي ساعة من نهار، ثم هي حرام إلى يوم القيامة" فدل تسليطه عليها ساعة من النهار على أنه كان محاربًا فيها، غير مصالح.
قالوا: وقد روي أن حماس بن قيس بن خالد أعد سلاحًا للقتال يوم الفتح فقالت له امرأته: والله ما أرى أنك تقوم بمحمد وأصحابه، فقال: لها إني لأرجو أن أخدمك بعضهم، وخرج مرتجزًا يقول:
إن يقبلوا اليوم فما لي علة
... هذا سلاح كامل وأله
وذو غزارين سريع السله
ولحق بصفوان بن أمية وعكرمة بن أبي جهل وسهيل بن عمرو، فيمن يقاتل خالد بن الوليد في قريش وعاد منهزمًا، فدخل بيته وقال لامرأته: أغلقي على الباب، فقالت له امرأته: فأين ما كانت تعدنا فقال:
إنك لو شهدت يوم الخندمه
... إذا فر صفوان وفر عكرمه
وأبو يزيد قائمق كالمؤتمة
... واستقبلهم بالسيوف ألمسامه
يقطعن كل ساعد وجمجمه
... ضرباً فلا تسمع إلا غمغمه
لهم نهيت خلفنا وهمهمة
... لم تنطقي في اللوم أدمى كلمه
فدل على دخولها بالقتال.
قالوا: ولأنه صالحهم على دخولهم لترددت بينه وبينهم الرسل، ولكتب فيه الصحف، كما فعل معهم عام الحديبية، وهو لم يلبث حتى دخولها بعسكره قهرًا، فكيف يكون صلحًا.
ودليلنا على دخولها صلحاً قول الله تعالى: {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الأَدْبَارَ ثُمَّ لا يَجِدُونَ وَلِيّاً وَلا نَصِيراً} يعني، والله أعلم، أهل مكة فدل على أنهم لم يقاتلوا ولو قاتلوا لم ينصروا، وقال تعالى: {وَهُوَ الَّذِي كَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ عَنْهُم بِبَطْنِ مَكَّةَ} فأخبر بكف الفريقين، والكف يمنع من العنوة، وقوله تعالى: {مِن بَعْدِ أَنْ أَظْفَرَكُمْ عَلَيْهِمْ} يريد به الاستعلاء والدخول، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستعليًا في دخوله، وقال تعالى: {الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ إِن شَاءَ اللَّهُ آمِنِينَ} والمحارب لا يكون آمنًا، فاقتضى أن يكون دخولها صلحًا لا عنوة، وقال تعالى في سورة الرعد: {وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُوا تُصِيبُهُم بِمَا صَنَعُوا قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَاتِيَ وَعْدُ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يُخْلِفُ} الآية فأخبر بإصابة القوارع ولهم إلى أن يحل رسول الله صلى الله عليه وسلم قريباً منهم فصار غاية قوارعهم، وهذه حال أهل مكة إلى أن نزل رسول