ألف ألف جريب، يسقط منها مجاري الأنهار، والآجام والسباخ والآكام ومواضع المدن والقرى ومدارس الطرق نحو ثلثها، ويبقي مائتا ألف ألف جريب يراح نصفها، ويزرع نصفها، إذا تكاملت مصالحنا، وعمارتها، وذلك نحو مائة ألف ألف جريب، ينقص عنها في مساحة العراق خمسها، وقد كانت مساحة المرزوع في أيام عمر بن الخطاب رضي الله عنه اثنين وثلاثين ألف ألف جريب إلي ستة وثلاثين ألف ألف جريب، لأن البطائح تعطلت بالماء ونواحي تعطلت بالتبوق وفي المتقدرات تتكامل جميع العبارات حتى تستوعب من زرعها؛ لأن العوارض والحوادث لا يخلو الزمان منها خصوصا وعموما.
فصل:
فإذا استقر ما ذكرنا من حدود السواد، ومساحة أراضيه وقدر مزدرعه وفضل ما بينه وبين العراق، فقد اختلف العلماء في فتحه هل كان عنوه أو صلحا؛ فقدم الشافعي من الحجاز إلي العراق، وأهل العراق أعلم بفتوح سوادهم من أهل الحجاز، فسألهم عنه فاختلفوا عليه، فروي بعضهم أن السواد فتح صلحا.
وروي له بعضهم أن السواد فتح عنوه.
وروي له آخرون أن بعض السواد فتح صلحا، وبعضه فتح عنوه. فلما اختلفوا عليه في النقل والرواية نظرا ثبت ما رووه من الأحاديث، وأصحها، فكان حديث جرير بن عبد الله البجلي.
قال الشافعي: أخبرنا الثقة يعني: أبا أسامة عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم عن جرير بن عبد الله البجلي قال: كانت بجيلة ربع الناس، فقسم لهم ربع السواد، فاستغلوه ثلاثا، أربع سنين شك الشافعي فقدمت علي عمر، ومعي فلانة بنت فلان امرأة منهم قد سماها، ولم يحضرني ذكر اسمها، فقال عمر: "لولا أني قاسم مسئول لتركتكم علي ما قسم لكم، ولكن أري أن تردوا علي الناس". قال الشافعي: "وكان في حديثه وعافني من حقه نيفا وثمانين دينارا وفي الحديث: فقالت فلانة: قد شهد أبي القادسية، وثبت سهمه، ولا أسلم حتى تعطيني كذا وكذا، فأعطاها إياه.
وروي غير الشافعي فقالت أم كرز: لا أنزل عن حقي حتى تحملني علي ناقة ذلول عليها قطيفة حمراء وتملأ كفي ذهبا، ففعل ذلك بها، فكان ما أعطاها من العين ثمانين دينارا فمن ذهب إلي أن السواد فتح صلحا، فقد أشار الشافعي إليه في كتاب قسم الفئ واستدل بهذا الحديث من وجهين:
أحدهما: أن عمر انتزعه من أيدي الغانمين حين علم بحصوله معهم، ولو كان عنوه لكان غنيمة لهم، ولم يجز انتزاعه منهم.
والثاني: قول عمر: لولا أني قاسم مسئول لتركتكم علي ما قسم لكم، فدل علي أنه انتزعه منهم بحق لم يستجز تركه معهم، وهذا حكم الصلح دون العنوة.