كل عصر فيه حظ يقوم بكفايتهم فاستنزلهم عن أصل ملكه، وأمدهم بارتفاعه، ليكون يأتي بعدهم فيه بمثابتهم.
وقد روي زيد بن أسلم عن أبيه عن عمر بن الخطاب أنه قال: لولا أخشي أن يبقي آخر الناس لا شئ لهم لتركتكم، وما قسم لكم، لكن أحب أن يلحق آخرهم أولهم، وتلا قوله تعالي: {والَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا ولإخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالإيمَانِ} الحشر: 10.
فصل:
فإذا ثبت أن فتح أرض السواد عنوة انتقل الكلام إلي فصلين:
أحدهما: حكم أرض العنوة.
والثاني: ما استقر عليه حكم أرض السواد بعد الاستنزال.
فأما الفصل الأول في حكم كل أرض إذا فتحت عنوة، فقد اختلف فيه الفقهاء علي مذاهب شتي.
فذهب الشافعي إلي أنها تكون غنيمة كسائر الأموال، يخرج خمسها لأهل الخمس، وتقسم باقيها بين الغانمين كقسمة الأموال المنقولة إلا أن يري إمام العصر أن يستنزلهم عنه بطيب أنفسهم، أو بعوض يبذله لهم ليفضها علي كافة المسلمين، فيمضي وإلا فهي غنيمة مقسومة لعموم قول الله تعالي: {واعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ ولِلرَّسُولِ} الأنفال: 41، فدل علي أن ما سوي الخمس للغانمين، كما قال: {ووَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ} النساء: 11 فدل علي أن ما سوي الثلث للأب.
وقال مالك والأوزاعي: الأرض غير مغنومة، وتصير بالفتح وقفا علي كافة المسلمين، لا يجوز لهم بيعها.
وقال أبو حنيفة: يكون الإمام فيها مخيرا بين ثلاثة أشياء بين أن يقسمها علي الغانمين كالذي قاله الشافعي وبين أن يقرها علي مالك أربابها، ويضرب عليهم جزيتين:
إحداهما: علي رؤوسهم، والأخرى علي أرضهم.
فإذا أسلموا سقطت جزية رؤوسهم، وبقيت جزية أرضهم تؤخذ باسم الخراج، ويجوز لهم بيعها.
بين أن يقفها علي كافة المسلمين، فلا يجوز لهم بيعها.
وأما الفصل الثاني: فيما استقر عليه حكم أرض السواد بعد الاستنزال عنها: فالذي نص عليه الشافعي في سير الواقدي أن عمر وقفها علي كافة المسلمين، فلا تباع، ولا توهب، ولا تورث كسائر الوقوف، وقال فيه مثله من كتاب الرهن: إنه لو رهن أرضا من أرض الخراج كان الرهن باطلا ثم إن عمر بعد وقفها أجرها للدهاقين والأكره بالخراج الذي ضربه عليها يؤدية كل سنه أجره عن رقابها، فيكونوا أحق بالتصرف فيها لأصل