وإن قيل: إنهم يقرون على دينهم وتحفظ حرمة كتابهم، فلا يخلو حالهم من ثلاثة أقسام:
أحدهما: أن يتحقق صدقهم، يعرف كتابهم، فيكونوا كاليهود والنصارى في إقرارهم بالجزية، واستباحة مناكحهم، وأكل ذبائحهم.
والثاني: أن يتحقق كذب قولهم، وأن لا كتاب لهم، فيكونوا كعبدةً الأوثان في استباحة دمائهم، وحظر مناكحهم.
والثالث: أن يحتمل ما قالوه الصدق والكذب، وليس على أحدهما دليل يقطع به، فلا يقبل فيهم قول كفارهم.
فإن أسلم منهم عدد يكون خبرهم مستفيضًا حكم بقولهم في ثبوت كتابهم وإقرارهم بالجزية على دينهم، واستباحة مناكحهم.
وإن لم يسلم منهم من يكون خبره مستفيضا متواترا، ولم يعلم قولهم إلا منهم في حال كفرهم، فيقرون بالجزيةً: لأنها مال بذلوه لا يحرم علينا أخذه، وأصل الدماء على الحظر، فلا يحل لنا قتلهم.
فأما استباحة مناكحهم، وأكل ذبائحهم، فلا يقبل قولهم فيها؛ لأنها على أصل الحظر، فلا تستباح بقول من لا يوثق بصدقه، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي: "والمجوس أهل كتاب دانوا بغير دين أهل الأوثان وخالفوا اليهود والنصارى في بعض دينهم كما خالفت اليهود والنصارى في بعض دينهم، وكانت المجوس في طرف من الأرض لا يعرف السلف من أهل الحجاز من دينهم ما يعرفون من دين اليهود والنصارى حتى عرفوه وأن النبي - صلى الله عليه وسلم- أخذها من مجوس هجر وقال علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -: هم أهل كتاب بدلوا فأصبحوا وقد أسري بكتابهم وأخذها منهم أبو بكر وعمر - رضي الله عنهما ".
قال في الحاوي: وأما المجوس، فقد كانوا على بعد من الحجاز، وكانت ديارهم العراق وفارس، وهم يتدينون بنبوة زرادشت وإقرارهم بالجزية متفق عليه، لما رواه الشافعي أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم- أخذ الجزية من مجوس هجر.
وروي أن عمر أشكل عليه أمر المجوس حين افتتح بلادهم بالعراق، وقال: ما أدري ما أصنع في أمرهم: فقال له عبد الرحمن بن عوف: أشهد لقد سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- يقول: "سنوا بهم سنة أهل الكتاب". فأخذ عمر منهم الجزيةً بالعراق وفارس، وقد