يشترط لهم شروطا يمنع الشرع منها أبطل الإمام بعده ذلك، واستأنف الصلح معهم علي ما يجوز في الشرع، فإن أجابوا إليه غير في الديوان ما تقدم من الصلح الفاسد، وأثبت فيه ما استأنفه من الصلح الجائز. إن امتنعوا من إجابتهم إليه نقص عهدهم، وبلغهم منهم، وعادوا حرما.
فصل:
فإذا تقرر هذا، وتطاول الزمان، وأشكل علي إمام الوقت قدر جزيتهم، فإن استفاضت بها الأخبار، وانتشر ذكرها في الأمصار، عمل فيها علي الخبر المستفيض.
وإن لم يعرف استفاضتها رجع إلي شهادة العدول من المسلمين، فإذا شهد منهم عدلان بمقدار من الجزية يجوز أن يصالحوا علي مثله حكم بشهادتهم، وإن لم يشهد به عدلان، وكان في ديوانهم الموضوع بجزيتهم قدر جزيتهم، وشروطهم صلحهم، فإن ارتاب به ولم يقع في النفس صحته، لخطوط مشتبهة، لم يجز أن يعمل عليه.
وإن انتفت عنه الريبة، وكان تحت ختم أمناء الكتاب، ففي جواز العمل عليه وجهان:
أحدهما: لا يجوز العمل عليه في حقوق بيت المال، كما لا يجوز أن يعمل عليه القضاة والحكام، وعلي هذا لو ادعي ذمي دفع جزيته ببراءة أحضرها لم يبرأ بها.
والثاني: يجوز أن يعمل عليه في حقوق بيت المال اعتبارا بعرف الأئمة فيه، لأن الديوان موضوع له، وكما يجوز في رواية الحديث أن يعمل الراوي علي خطه إذا تحققه، وخالف ما عليه القضاة والحكام من العمل بما دواوينهم من وجهين:
أحدهما: أن حقوق بيت المال عامة، فكان حكمها أوسع، وأحكام القضاة خاصة، فكان حكمها أضيق.
والثاني: أن حقوق بيت المال لا يتعين مستحقها، وبتعذر من يتولي الإشهاد فيها، وحقوق الخصوم عند القضاة، يتعين مستحقها، ولا يتعذر عليه أن يتولي الإشهاد فيها.
وعلي هذا لو ادعي ذمي جزيته ببراءة أحضرها تقع في النفس صحتها برئ منها.
فصل:
فإن لم يجد الإمام ما يعمل عليه من جزيتهم من خبر مستفيض، ولا شهادة خاصة، ولا ديوان موثوق، بصحته أو وجده، وقلنا: إنه لا يجوز أن يعمل به، فعليه أن يجمع أهل الذمة من جميع الأمصار، ويسألهم عن قدر جزيتهم، والأولي أن يسألهم أفرادا غير مجتمعين، فإذا اعترفوا بقدر يجوز أن تكون جزية لم يقبل منهم، وكان معهم (على) ما