من الطواف بالبيت احتجاجًا بأن شرف البقاع لا يمنع منه المشرك وقال جابر بن عبد الله، وقتادة: يجوز أن يقيم فيه الذمي دون الوثني، والعبد المشرك إذا كان ملكًا لمسلم، لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم "أخذ الجزية من نصراني بمكة يقال له موهب" ولا تؤخذ الجزية إلا من مستوطن، وهذا خطأ، لقول الله تعالى: {إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التوبة: 28 وفي قوله {نَجَسٌ} التوبة: 28 ثلاثة تأويلات:
أحدهما: أنهم أنجاس الأبدان، وكنجاسة الكلب والخنزير، وهذا قول عمر بن عبد العزيز والحسن البصري، حتى أوجب الحسن البصري الوضوء على من ضاجعهم.
والثاني: أنه سماهم أنجاسًا لأنهم يجنبون، فلا يغتسلون، فصاروا لوجوب الغسل عليهم كالأنجاس/ وإن لم يكونوا أنجاسًا، وهذا قول قتادة.
والثالث: أنه لما كان علينا أن نجتنبهم كالأنجاس صاروا بالاجتناب في حكم الأنجاس، وهذا قول جمهور أهل العلم.
وقوله: {فَلَا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرَامَ بَعْدَ عَامِهِمْ هَذَا} التوبة: 28 يريد به الحرم، فعبر عنه بالمسجد، لحلوه فيه، كما قال: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} الإسراء: 71 يريد به مكة، لأنه أسرى به من منزل أم هانئ وهكذا كل موضع ذكر الله تعالى، فقال الله المسجد الحرام، فإنما أراد به الحرم إلا في قوله: {فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} البقرة: 144 يريد به الكعبة.
وإذا كان كذلك، وقد منع أن يقربه مشرك، وجب أن يكون المنع محمولًا على عمومه في الدخول والاستيطان.
وقال تعالى: وَإِذْ قَالَ {إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آَمِنًا} البقرة: 126 يعني مكة، وحرمها {وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آَمَنَ مِنْهُمْ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ قَالَ وَمَنْ كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلًا} البقرة: 126 يعني مكة، وهو قبل فتحها، فدل على تحريمها على الكافر بعد فتحها.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "ألا لا يحجبن بعد هذا العام مشرك" وهذا محمول على القصد، فكان على عمومه، ولأنه لما اختص الحرم بما شرفه الله تعالى فيه على سائر البقاع تعظيمًا لحرمته، كان أولى أن يصان ممن عانده، وطاعته، ولأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما ذكر فضائل الأعمال في البقاع، فضله على غيره، فقال: "صلاة في مسجدي بألف صلاة وصلاة في المسجد الحرام بمائة ألف صلاة في مسجدي هذا". وهذا التفضيل