فعلى هذين الوجهين، لو أن رجلًا من أهل الذمة عقد الجزية على نفسه، ومائة رجل من قومه على مائة دينار يؤدونها من ماله نظر في موضوعها، فإن أوجبها عليهم وتحملها عنهم جاز؛ لأنه تبرع بها وهم مأخوذون بها إن امتنع منها، وإن أوجبها على نفسه لتكون عنه وعنهم، ففي جوازه ما قدمناه من الوجهين:
أحدهما: هو قول أبي إسحاق، لا يجوز؛ لأنهم يقيمون بغير جزية تلزمهم.
والثاني: وهو قول أبي علي، يجوز لحصول الفرض المطلوب منهم.
فصل:
إذا قال: من بذل ضعف الصدقة أنفة من اسم الجزية قد أسقطت اسم الصدقة عنه، ورضي باسم الجزية، فقد اختلف أصحابنا في سقوطها، والاقتصار على دينار الجزية على وجهين:
أحدهما: تسقط مضاعفة الصدقة عليه؛ لأنها في مقابلة ما قد أسقط عن نفسه.
والثاني: وهو أصح أنه لا تسقط عنه؛ لأن حكم الجزية موجود في الحالين، فلم يكن لاختلاف الأسماء تأثير.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "وكل ما أخذ من ذمي عربي فمسلكه الفيء وما اتجر به نصارى العرب وأهل دينهم".
قال في الحاوي: وهذا صحيح المأخوذ من ذمة العربي باسم الصدقة جزية، وليست زكاة وإن كانت عند أبي حنيفة في إيجابها على النساء زكاة. والدليل على أنها ليست زكاة قول الله تعالى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ} التوبة 103 الآية. والكافر لا يتطهر بما يؤديه منها.
وقال أبو بكر رضي الله عنه: هذه فريضة الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم على المسلمين فدل على أنها لا تجب على المشركين.
وقال عمر: الناس رجلان مسلم فرض الله عليه الصدقة، كافر فرض الله عليه الجزية.
وقال علي: لا زكاة على مشرك، فكان هذا إجماع الأئمة رضوان الله عليهم.
وإذا ثبت هذا وجب أن يكون مصروفًا في أهل الفيء دون أهل الصدقة.