والثاني: أن من لا أرض له منهم لا يقر معهم إلا بجزية رأسه، ويؤخذ هذا الخراج من أرضهم زرعت أو لم تزرع؛ لأنها جزية.
فإن شرط أخذ الخراج منها إذا زرعت وإسقاطه إذا لم تزرع كان الشرط باطلًا؛ لأنهم قد يعطلونها فتسقط.
وقال أبو علي بن أبي هريرة: إن لم يكن لهم معاش غير الزرع جاز، لأنهم لا يعطونها إلا من ضرورة، وإن كان لهم معاش غيره لم يجز. ويؤخذ هذا الخراج من كل مالك من الرجال والنساء وإن كانت جزية الرؤوس مأخوذة من الرجال دون النساء؛ لأنها في مقابلة منفعة الأرض التي يشترك فيها جميعهم، فصار الخراج أعم نفعًا من الجزية، فلذلك صار أعم وجوبًا.
فإن جمع الإمام عليهم في شرط بين خارج الأرض وجزية الرؤوس جاز، وصار خراج الأرض زيادة على الجزية، فيؤخذ قليلًا كان أو كثيرًا من الرجال والنساء، وتؤخذ جزية الرؤوس من الرجال دون النساء، فإن أسلموا أسقط عنهم الخراج والجزية وأسقط أبو حنيفة الجزية دون الخراج.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ولا يجوز عشور ما زرعوا لأنه مجهول".
قال في الحاوي: وهذا على ثلاثة أقسام:
أحدها: أن تكون الأرض قد صارت ملكًا للمسلمين، وهي دار الإسلام، وهم فيها أهل ذمة يلزمهم خارج الأرض، وجزية الرؤوس، فلا يجوز الاقتصار منهم على عشور ما زرعوا؛ لأن عليهم حقين: الخراج والجزية، فإن جعل العشر خراجًا بقيت الجزية، وكان الخراج فاسدًا؛ لأنه أجرة لا تصح إلا معلومة، وهذه مجهولة؛ لأنهم قد يزرعون ولا يزرعون، ويكون زرعهم قليلًا أو كثيرًا.
وإن جعل العشر جزية بقي الخراج، وكانت الجزية فاسدة لما ذكرنا من الجهالة بها.
والثاني: أن تكون الأرض لهم وهي دار حرب، وهم فيها أهل عهد، فيجوز أن يصالحوا على عشور ما زرعوا؛ لأنه لا خراج على أرضهم لبقائها على ملكهم، ولا جزية على رؤوسهم لمقامهم في دار الحرب، فيصير عشر زرعهم مال صلح ليس بخراج ولا جزية، فجاز قليله وكثيره في العلم به، والجهل؛ لأنه مال تطوع.
والثالث: أن تكون الأرض باقية على ملكهم، وهي دار الإسلام؛ لأنهم فيها أهل