أحيمر وهو القدار بن سالف وأمسك قومه عنه فأخذ الله جميعهم بذنبه، فقال تعالى: {فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُم بِذَنْبِهِمْ فَسَوَّاهَا (14) ولا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} الشمس:14 - 15، وفي قوله: {فَسَوَّاهَا} الشمس:14 ثلاثة تأويلات:
أحدها: فسوى بينهم في الهلاك.
والثاني: فسوى بهم الأرض.
والثالث: فسوى بهم من بعدهم من الأمم.
وفي قوله: {ولا يَخَافُ عُقْبَاهَا (15)} الشمس:15 ثلاثة تأويلات:
أحدها: ولا يخاف الله عقبى ما صنع بهم من الهلاك.
والثاني: ولا يخاف الذي عقرها ما صنع من عقرها.
والثالث: ولا يخاف صالح عقبى عقرها؛ لأنه قد أنذرهم، ونجاه الله حين أهلكم. وقد وادع رسول الله صلى الله عليه وسلم يهود بني النضير، وهمّ بعضهم بقتله، فجعله نقضًا منهم، لعهده، فعزلهم وأجلاهم. ووادع يهود بني قريظة، فأعان بعضهم أبا سفيان بن حرب على حرب رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخندق.
وقيل: إن الذي أعانه منهم ثلاثة: حيي بن أخطب، وأخوه، وآخر فنقض به عهدهم، وغزاهم، حتى قتل رماتهم، وسبى ذراريهم. وهادن قريشًا في الحديبية، وكان بنو بكر في حلف قريش، وخزاعة في حلف رسول الله صلى الله عليه وسلم فحارب بنو بكر خزاعة، وأعان نفر من قريش بني بكر على خزاعة وأمسك عنهم سائر قريش، فجعله رسول الله صلى الله عليه وسلم نقضًا لعهد جميعهم، فسار إليهم محاربًا، وأخفى عنهم أثره حتى نزل بهم، وفتح مكة، فدل على أن الممسك يجري عليه في نقض العهد حكم المباشر؛ ولأنه لما كان عقد بعضهم للهدنة موجبًا لأمان جميعهم، وإن أمسكوا كان نقض عهدهم موجبًا لحرب جميعهم إذا أمسكوا.
فصل:
فإذا ثبت ما وصفنا، وجعلنا ذلك نقضًا لعهد جميعهم، جاز أن يبدأ الإمام بقتالهم بإنذار وغير إنذار، كما سار رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى ناقض عهده فجاءه بغير إنذار، وجاز أن يهجم عليهم غرة وبياتًا، فيقتل رجالهم، ويسبي ذراريهم، ويغنم أموالهم كما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم ببني قريظة.
وإن جعلناه نقضًا لعهد من باشر، ولم نجعله نقضًا لعهد من لم يباشر لم يخل حالهم أن يكونوا متميزين عنهم أو مختلطين بهم، فإن تميزوا عنهم في موضع انحازوا عنه أجرى على كل واحد من الفريقين حكمه، فقوتل الناقضون للعهد، وقتلوا، وكف عن غير الناقضين وأمنوا، وإن اختلطوا بهم في مواضعهم غير متميزين عنهم، لم يجز