والفعل، وليس عليهم أن يبذلوا لهم الجميل في القول والفعل لقول الله تعالى: {لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ} التوبة:33 فإن عدلوا عن الجميل في القول والفعل، فكانوا يكرمون المسلمين، فصاروا يستهينون بهم، وكانوا يضيفون الرسل، ويصلونهم، فصاروا يقطعونهم، وكانوا يعظمون كتاب الإمام، فصاروا يطرحونه، وكانوا يزيدونه في الخطاب، فصاروا ينقصونه، فهذه ريبة؛ لوقوفها بين شكين؛ لأنها تحتمل أن يريدوا بها نقض الهدنة، ويحتمل أن يريدوا بها نقضها، فيسألهم الإمام عنها، وعن السبب فيها، فإن ذكروا عذرًا يجوز مثله قبله منهم، وكانوا على هدنتهم، وإن لم يذكروا عذرًا أمرهم بالرجوع إلى عادتهم من المجاملة في أقوالهم وأفعالهم، فإن عادوا أقام على هدنتهم، وإن لم يعودوا نقضها بعد إعلامهم بنقضها، فصارت مخالفة للقسمين الأولين من وجهين:
أحدهما: أنه لا يعدل عن أحكام الهدنة إلا بعد مسألتهم، ولا يحكم بنقضها إلا بعد إعلامهم.
فأما سب رسول الله صلى الله عليه وسلم فهو مما ينتقض به عقد الهدنة، وعقد الذمة وكذلك سب القرآن، فإن كان جهرًا، فهو من القسم الأول، وإن كان سرًا فهو من القسم الثاني.
وقال أبو حنيفة: لا ينتقض بهما عقد الهدنة، ولا عقد الذمة، احتجاجًا لما روى أن رهطًا من اليهود دخلوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: "السام عليك" فقال: "وعليكم"، فقالت عائشة رضي الله عنها: "يا رسول الله ألم تسمع ما قالوا؟ " فقال: "قد قلت: وعليكم"، ثم قال: "مهلًا يا عائشة، فإن الله يحب الرفق في الأمر كله".
فلم يجعل ذلك نقضًا لعهدهم، وإن كان سبًا، ولأن قولهم: إن الله ثالث ثلاثة أعظم من شتمهم الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم لم يكن ذلك نقضًا لعهدهم، فهو أولى أن لا يكون نقضًا لعهدهم.
ودليلنا: ما روي أن رجلًا قال لعبد الله بن عمر: سمعت راهبًا يشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال عبد الله: لو سمعته أنا لقتلته، إنا لم نعطه الأمان على هذا. وليس يعرف له من الصحابة مخالف، فكان إجماعًا، ولأن ما كان شرطًا في صحة الإسلام كان شرطًا في عقد الأمان؛ قياسًا على ذكر الله؛ ولأن ما حقن به دم الكافر، انتقض بشتم رسول الله صلى الله عليه وسلم كالإيمان.
وأما الخبر، فعنه جوابان:
أحدهما: أنهم قالوا ذمًا، ولم يقولوه شتمًا.
والثاني: أنه كان في ضعف الإسلام، ولم يكن في قوته.
وأما الجواب عن قولهم: إن الله ثالث ثلاثة فمن وجهين: