فإن قيل بإباحته ضمن نقص العمل، وإن قيل بحظره لم يضمنه، وكان أبو حامد الإسفراييني يخرج كسر الصليب من الذهب على هذين الوجهين. وهو خطأ؛ لأن ادخار الصليب محظور باتفاق، وادخار الأواني على اختلاف، فلم يجز الجمع بينهما مع اختلاف حكمهما.
مسألة:
قال الشافعي رحمه الله تعالى: "ويجوز للنصراني أن يقارض المسلم وأكره للمسلم أن يقارض النصراني أو يشاركه ".
قال في الحاوي: وهذا كما قال: يجوز أن يأخذ المسلم من النصراني مالاً قراضاً، ولا يكره له؛ لأن عقود المسلم تتوجه إلى المباح، ويكره للمسلم أن يدفع إلى النصراني مالاً قراضاً، لأنه ربما صرفه في محظورات الإسلام من الزنا وأثمان الخمور والخنازير، ولا يبطل القراض تغليباً لحمله على المباح، فإن صرفه النصراني في محظور من أثمان خمور وخنازير، فإن كان المسلم قد صرح له بالنهي عنه، كان النصراني ضامناً لما صرفه في ثمنه؛ لحظره ومخالفته وإن لم يصرح له بالنهي عنه، ففي ضمانه له وجهان:
أحدهما: يضمنه لما أوجبه عقد المسلم من حمله على مقتضى شرعه.
والثاني: لا يضمنه، لجوازه في دين عاقده، فإن ربح في الخمور والخنزير. حرم ذبحه على المسلم، فإن لم يختلط بأصل ماله حل له استرجاع ماله، وحرم عليه أخذ ربحه، وإن اختلط ربحه بماله حرم على المسلم استرجاعه، وفي رجوعه بغرمه على النصراني وجهان، واختلاف الوجهين في ضمانه، إذا صرفه في ثمنه.
وهكذا يكره للمسلم أن يشارك النصراني في مال ينفرد كل واحد منهما بالتصرف في جميعه، ولا يكره اشتراكهن في مال لا يتصرف أحدهما فيه إلا باجتماعهما؛ لأن النصراني إذا تفرد بالتصرف فيه صرفه في أثمان المحظورات، وإذا اجتمع مع المسلم فيه صار ممنوعاً منه فإن تفرد النصراني بالتصرف، وظهر الربح في المال، فأراد المسلم أن يقاسمه عليه، لم يخل ماله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يعلم حصوله من حلال، فيحل للمسلم أن يأخذ حقه من المال وربحه.
والثاني: أن يعلم حصوله من حرام، فيحرم عليه أخذه، فأما المال فإن لم يمتزج ربحه، ولا عاد أصله من ثمنه حل له أخذ حقه منه، وإن امتزج بربحه أو عاد أصله من ثمنه حرم عليه أخذه، وفي رجوعه بغرمه على شريكه ما قدمناه من الوجهين: