من دية زوجها. وأما الإجماع: فهو أن الخلفاء الراشدين كتبوا إلى أمرائهم وقضاتهم بما عملوا من الديانات والسياسات.
وكتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه- عهده على قضاء البصرة، وهو مشهور جعله المسلمون أصلًا للعهود. وكتب إلى أبي هريرة -رضي الله عنه- أما بعد فإنه حصر بنا فالوحا الوحا.
وكتب إلى ابن عباس -رضي الله عنهما- أما بعد، فإن الإنسان ليسره درك ما لم يكن ليفوته ويسوءه فوت ما لم يكن ليدركه، فلا تكن بما نلت من دنياك فرحًا، ولا بما فاتك منها ترحًا، ولا تكن ممن يرجو الآخرة بغير عمل، ويؤخر التوبة بطول أمل، فكأن قدر والسلام. وقال ابن عباس -رضي الله عنهما- فما انتفعت ولا اتعظت بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم بمثل هذا الكتاب. ولأن الحكام من لدن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومنا هذا كانوا يكتبون، يكتب بعضه إلى بعض، ويعملون عليه ولم ينكره منكر. ولأن ضرورات الحكام إليها داعية، فإن من له حق على رجل في بلد غير بلده لا يمكنه إتيانه ولا مطالبته إلا بكتاب القاضي، فوجب قبوله.
ثم اعلم أن لوجوب قبولها ثلاثة شروط:
أحدها: أن يكون الثاني عالمًا بصحة ولاية الأول.
والثاني: أن يكون عالمًا بصحة أحكامه وكمال عدالته.
والثالث: أن يعلم صحة كتابه فيما تضمنه من حكمه.
واختلف العلماء فيما يعلم به صحة كتابه، فذهب الشافعي وأبو حنيفة -رضي الله عنهما- وأكثر الفقهاء إلى أنه لا يجوز أن يقبله إلا أن يشهد به شاهدان على ما نذكره، فأما بالخط أو الختم فلا يجوز.
وذهب قضاة البصرة الحسن، وسوار بن عبد الله وعبيد الله العنبري، وهو قول أبي يوسف، وأبي ثور وإسحاق وأبي عبيد، وهو رواية عن مالك، ومال إليه من أصحاب الشافعي الإصطخري، أنه إذا عرف القاضي أن المكتوب إليه خط القاضي الكاتب وختمه، واتصلت بمثله كتبه جاز أن يقبله ويعمل بما تضمنه، لأن كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم قد كانت مقبولة يعمل بما فيها من غير شهادة.
ودليلنا قوله صلى الله عليه وسلم: "شاهداك أو يمينه"، فجعل الحكم مقصورًا على الشهادة دون الكتب، ولأن نقل ما غاب عن القاضي لا يثبت إلا بالشهادة دون الخط، كالشهود إذا كتبوا بشهادتهم، وكذلك الدعاوى والأقارير والعقود لا تثبت بمجرد الكتاب دون الشاهدين، وهذا كله لأن الخطوط تشتبه على ما ذكرنا، وأما كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت ترد مع رسل يشهدون بها، وإنها تجري مجرى الأخبار التي يخف حكمها، لعموم التزامها بخلاف هذا.
ثم اعلم أنه يجوز أن يكتب قاضي مصر إلى قاضي مصر، وقاضي قرية إلى قاضي قرية، وقاضي بلد إلى قاضي قرية، وقاضي قرية إلى قاضي بلد، لأن كل واحد من