ويفارق النبي - صلى الله عليه وسلم - لأنه كان ألزم نفسه أن لا ينسى صلاة، فيذكرها في وقت إلا قضاها فيه، ولا يوجد هذا المعنى في غيره.
وروي أن أم سلمة رضي الله عنها، قالت: أفنقضيها نحن إذا فاتتنا؟، فقال: "لا". وروي أن أبا سعيد الخدري رضي الله عنه يرى هذا النهي عاماً، فقيل له: أليس قد صلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في بيت أم سلمة؟ فقال: "إنه فعل ما أمر ونحن نفعل ما نؤمر". وتأويل هذا أنه لا يجوز لنا أن نجعله عادة ويجوز له، ولو نذر أن يصلي في الوقت المنهي عنه. فالصحيح أنه لا ينعقد نذره، وفيه وجه آخر. وأما المكان، فالنهي يتناول كل البلدان إلا مكة، فالطواف وركعتا الطواف تجوز في هذه الأوقات كلها قولاً واحداً. وان أراد أن ينشئ نافلة يتبرع بها من غير سبب فيها، فهل يجوز؟ فيه وجهان:
أحدهما: يجوز كالطواف وركعتيه، ولا فرق بين مسجدها وبيوتها في ذلك. وهذا لقوله - صلى الله عليه وسلم - في رواية أبي ذر رضي الله عنه 186 ب / 2: "لا صلاة بعد العصر حتى تغرب الشمس، ولا صلاة بعد الصبح حتى تطلع الشمس إلا بمكة، إلا بمكة إلا بمكة "ثلاثاً"، ولأن هذا التفضيل للمسجد الحرام على سائر البقاع، وتخصيصها بحراسة الله تعالى لها من أن يتخطفها شيطان.
قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "وكل الله عز وجل بأطراف الحرم ستين ألفاً من الملائكة يحرسونه من الشياطين". وهذا اختيار جماعة من أصحابنا. وهو المذهب.
والثاني: لا يجوز ذلك لأنا جق زنا الطواف وركعتيه لئلا ينقطع الطواف، وهذا معدوم في غيرها من النوافل. ولا يجوز في البيوت، لأن للمسجد حرمة زائدة. وهذا اختيار ابن سريج. وأما الزمان، فالنهي يتناول كل الأيام إلا يوم الجمعة. وفيه ثلاث مسائل:
إحداها: من بكر للجمعة وجلس ينتظر الصلاة والخطبة، فله التنفل إذا استوت الشمس للزوال حتى كيف شاء، لأنه مخصوص بالاستثناء.
والثانية: الأوقات الأربعة في يوم الجمعة كما في سائر الأيام، لأن الاستثناء كان في نصف النهار.
وذكر بعض أصحابنا بخراسان: وجهاً أنه لا نهي يوم الجمعة أملأ عن الصلوات لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "إن جهنم لا تسجر يوم الجمعة"، وأشار إليه صاحبه "الإفصاح"، وهو ضعيف.
والثالثة: من تخلف عن الجمعة لعذر أو غير عذر، هل له أن يتنفل إذا استوت