لقوله صلى الله عليه وسلم: "عشر من الفطرة"، وعد منها المضمضة والاستنشاق. وقال ب 54/ 1 صلى الله عليه وسلم لأم سلمة - رضي الله عنها: "يكفيك أن تحثي على رأسك ثلاث حثيات من الماء، ثم تفيضي عليك الماء، فإذا أنت قد طهرت" وبإفاضة الماء على رأسها لا تحصل المضمضة والاستنشاق.
وروى ابن عباس، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "المضمضة والاستنشاق سنة، والأذنان من الرأس".
وروى أبو هريرة، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "أمرت بالوضوء فوضأني جبريل صلى الله عليه وسلم فرض الوضوء، وسننت أنا فيه الاستنجاء والمضمضة والاستنشاق، وغسل الأذنين، وتخليل
اللحية، ومسح القفا" وهو إسباغ الوضوء.
وأما خبره الأول قال الدارقطني - رحمه الله -: وهم فيه من وصله وهو مرسل يرويه سليمان بن موسى، عن النبي صلى الله عليه وسلم، ثم هو محمول على تأكيد استجابة.
وأما الخبر الثاني: فرواه بركة الحلبي وهو كذاب ومتروك. والظاهر لأنها لا تجب ثلاثًا أن الفرض محمول على التقدير.
وأما الخبر الآخر: فمحمول على الاستحباب.
وأما كيفيتها: فالكلام فيهما على فصلين: أحدهما في الجائز والثاني: في الأفضل.
فأما الجائز: فهو أن يوصل الماء إلى الفم والأنف ثلاثًا بغرفة أو غرفتين، أو أكثر.
فأما الأفضل: ظاهر ما نقل هاهنا وهو المنصوص في "الأم" أنه، يجمع بينهما بغرفة واحدة. وقال في "البويطي": "ومن تمضمض واستنشق من غرفة واحدة أجزأه، وتفرقهما أحب إلى" فالمسألة على قولين:
أحدهما: الجمع بينهما أفضل، ووجهه ما روي 55 أ/ 1 عبد خير، عن علي - رضي الله عنه- أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم وتمضمض مع الاستنشاق بماء واحد، ولأنه أقل لإضاعة الماء وأبعد عن الإسراف، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "إن في الوضوء سرفًا ولو كنت على شاطئ".
والثاني: تفريقهما أفضل وهو الأصح، ووجه ما روى عن عثمان - رضي الله عنه - أنه وصف وضوء رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا هو، وروى طلحة بن مصرف عن أبيه عن جده أنه قال: دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم وهو يتوضأ والماء يسيل من وجهه ولحيته على صدره،