الشيطان، فإذا ارتفعت فارقها، وإذا استوت فارقها، 187 ب / 2 فإذا زالت فارقها، ثم إذا دنت للغروب فارقها، فإذا غربت فارقها"، ونهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن الصلاة هي تلك الأوقات. واختلف العلماء في تأويل هذا اللفظ، فقال بعض أصحابنا: معنى (قرن الشيطان)، أي: ناصية الشيطان أو رأسه. وذلك أنه يقارن الشمس في هذه الأوقات الثلاثة، لأن الذين يعبدون الشمس من الناس يجدون لها في هذه الأوقات الثلاثة فيحيونها حالة الطلوع، لأنها حالة ظهورها، وعند الاستواء، لأنه أكمل أحوالها، وعنه الغروب يودعونها، فالشيطان يقارن الشمس فيرى أن هؤلاء إنما يجدون له.
وقيل: أراد القرن القوم، يقال: قرن نوح وقرن كذا بمعنى القوم والحزب، فمعناه تطلع بين قرني الشيطان، وهو من جماعته الأولين، وجماعته الآخرين، فكأنه جعل عبدة الشمس قوم الشيطان وحزبه، لأنه أغراهم واستزلهم بالسجود في هذه الأوقات، ولم يرد أنهم مع الشيطان، فنهى عن الصلاة في هذه الساعات لئلا يتشبهوا بهؤلاء.
وقيل: أراد بين قرني رأسه، أي: ناحيته، لأن لكل رأس قرنين، أي: ناحيتين، وسمي: ذا القرنين، لأنه ضرب على جانبي رأسه. وقيل معناه: أن الشيطان مقارن لها.
وقال إبراهيم الحربي: "معناه أن ذلك الوقت حين يتحرك الشيطان وينشط، فيكون كالمعين لهم" ونظيره ما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال: "إن الشيطان يجري من ابن أدم مجرى الدم"، أي: يغويه على المعاصي، وقيل: قرن الشيطان، أي: حزب الشيطان من الإنس الذين يعبدون الشمس في هذه الأوقات كالمجوس. وقيل: حزب الشيطان من الجن الذين يصرفهم في أعماله وينهضهم في مرضاته في هذه الأوقات.
وقيل: القرن، عبارة عن الارتفاع، فيرتفع الشيطان إلى الشمس في هذه الأوقات، وقيل: قرن الشيطان قوته، 188 أ / 2 فيقوي التسويل لعبدة الشمس حتى يسجدوا لها.
وروى عقبة بن عامر رضي الله عنه، قال: "نهانا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في ثلاثة أوقات أن نصلي فيها، وأن نقبر فيها موتانا إذا طلعت الشمس حتى ترتفع بازغة، وإذا استوت في كبد السماء حتى تزول، وإذا تضيقت الغروب حتى تغرب"، يعني: مالت. وهذا لم ينقله المزني.
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أنه قال: شهد عندي رجال مرضيون أرضاهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن الصلاة بعد الصلاتين: صلاة الصبح، وصلاة العصر"، ولم ينقله المزني أيضاً. ثم روى خبر أبي سعيد الخدري