الناس من قال: يقرع بينهما, ومنهم من قال: يقدم الحاكم من شاء منهما, ومنهم من قال: يصرفهما حتى يصطلحا ثم يعودا, وقيل: بعد التحليف يقدم من شاء ولا نص للشافعي رضي الله عنه فيه, وقال أصحابنا: مذهبنا كما لو جاء مدعيان في حالة واحدة يقرع بينهما لتساويهما.
فرع آخر
لو كان لجماعة حق على رجل فوكلوا رجلاً فقدمه إلى القاضي وطالبه بحقوقهم فأنكر فلا يجوز أن يستحلفه القاضي يميناً واحدة بجماعتهم لأن لكل واحد منهم حق الاستحلاف, وحقوق الجماعة لا تتداخل فإن رضي الجماعة أن يستحلفوه يميناً واحدة ففيه وجهان: أحدهما: يجوز لأنهم لو أقاموا بينة واحدة ثبت حق جماعتهم بها فجاز أن يسقط المدعى عليه دعواهم أيضاً بيمين واحدة والثاني وهو المذهب لا يجو لأن القصد من اليمين الردع والزجر وعند الجمع لا يحصل ذلك, وإن حصل الرضا كما لو رضيت المرأة أن يحلف الزوج دفعة واحدة في اللعان لا يجوز ذلك, ولأن اليمين حجة في حق الواحد, فإذا رضي بها في حق الاثنين صارت الحجة في حق كل واحد منهما ناقصة والحجة 12/ 62 ب الناقصة لا تكمل يرضى الخصم كما لو رضي أن يحكم عليه بشاهد واحد لم يجز, وقال بعض أصحابنا بخراسان: وجه أن للحاكم أن يفعل ذلك من غير الرضي وهذا ليس بشيء وحكي الإصطخري أن إسماعيل بن إسحاق القاضي حلف رجلاً بحق رجلين يميناً واحدة فخطأه أهل عصره
فرع آخر
إذا استعدى رجل على رجل إلى الحاكم لزم أن يستدعيه سواء علم بينهما معاملة أو لم يعلم وبه قال أبو حنيفة وأحمد في رواية وقال مالك: لا يعدي عليه إلا أن يعلم أن بينهما معاملة وهو رواية عن أحمد, واحتج بما روي عن علي رضي الله عنه أنه قال: لا يعد به الحاكم على خصمه حتى يعلم أن بينهما معاملة ولأن في أعدائه على كل من استعدى عليه تبذلاً لأهل المروة فلا يجوز ذلك إلا بسبب ظاهر, وهذا لا يصح لأنه يؤدي إلى الإضرار بالناس لأنه قد يستحق عليه بغصب أو وديعة أو إعارة وغير ذلك وإن لم يكن بينهما معاملة, فإذا لم يعد عليه سقط حقه, وأما ما ذكره فلا يصح لأنه مقابل بما ذكرناه أنه يؤدي إلى إسقاط الحقوق. ثم لا بد له في مجلس الحكم لأن عمر رضي الله عنه حضر عند زيد بن ثابت وعليا رضي الله عنه حضر عند شريح, وقال ابن سيرج: إذا كان من أهل الصيانات استدعاه الحاكم إلى داره 12/ 63 ب وحكم بينه وبين خصمه فلا يحصل بذلك بذلة.
مسألة: وينبغي للإمام أن يجعل مع رزق القاضي شيئاً لقراطيسه.