والرهن ونحو ذلك يقبل فيه ثلاث حجج شاهدان، وشاهد، وامرأتان 12/ 106 أ وشاهد ويمين.
والثالث: يقبل فيه ثلاثة أضرب: ضرب لا يقبل فيه إلا أربعة ذكور، وهو الزنا، وضرب لا يقبل فيه إلا شاهدان ذكران وهو شرب الخمر والسرقة والقتل في المحاربة، وضرب هل يقبل فيه رجلان أو يعتبر فيه أربعة؟ فيه قولان وهو في الإقرار بالزنا، فإذا تقرر هذا فنقول: قال الشافعي قال الله جل ذكره: {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} فاحتمل أمره جل وعز أمرين: أحدهما أن يكون مباحًا تركه والآخر حتمًا يقضي من تركه بمنزله، فلما أمر الله تعالى في أية الدين والدين تبايع بالإشهاد وقال فيها: {فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ} البقرة: (283) دل على أن الأولى دلالةً على الحظ لما في الإشهاد من منع الظالم بالجحود أو النسيان الفصل إلى آخره.
وجملة هذا أن الإشهاد على شيء من العقود غير واجب إلا في النكاح، وفي الرجعة قولان والاحتياط في البيع الإشهاد، وكذلك في المداينات ويستحب ذلك 12/ 106 ب ولا يجب وبه قال عامة أصحابنا، وقال سعيد بن المسيب والضحاك والحسن والشعبي وداود يجب الإشهاد على البيع، واختلف أصحاب داود فمنهم من قال: يحتاج أن يقول المتبايعان أشهدنا كم ومنهم من قال: يكفي إحضارهما واحتجوا بقوله {وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ} البقرة: الآيه (282).
ودليلنا ما ذكره الشافعي رضي الله عنه أن هذا محمول على الندب والاحتياط بدليل أنه لم يأمر بذلك عند العلم بالأمانة، ثم بين ما فيه الفوائد فذكر أن صاحب الحق يستفيد بأن يستوثق حقه بالشهادة ومن عليه يستفيد من وجهين أحدهما: أن يمنعه مكان الشهادة من الجحود، والثاني: أنه لو مات ولم يعلم وارثه أن عليه ذلك الدين يشهد الشهود فيؤخذ الدين من تركته فلا تبقى ذمته مرهونة به.
واحتج بخبر الأعرابي ((باع فرسًا من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ثم جحده فشهد له خزيمة)) ووجه الدليل أنه لم يكن استشهد أحدًا على البيع على ما ذكرنا. وقيل: إن خزيمة كان يشهد عند الخلفاء فيقصون بشهادته وحده.
وقال الإمام الجويني في ((المنهاج)): هذا الأعرابي جحد بقول بعض المنافقين فترافعا إلى أبي بكر الصديق رضي الله عنه فقال أبو بكر لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -12/ 10 أ ((شاهداك فترافعا إلى عمر رضي الله عنه فضرب عنقه)) وإنما ضربه لأنه كذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصار مرتدًا بالتكذيب، وهذا يدل على أن مثل هذا المرتد لا يستتاب.
وذكر بعض أصحابنا بخراسان في مثل هذا الخبر أنه - صلى الله عليه وسلم - ((بايع أعرابيًا فرسًا فجحد الأعرابي الثمن)) وهذا غلط ظاهر. ولأن البيع عقد معاوضةً محضة فلا يفتقر إلى الإشهاد كالإجارةً، فإن قال قائل الأمر بظاهرة يدل على الوجوب فلم نزله الشافعي