بالقسامة فلم ينفذ من مخالفة قضائه مع اعترافه بصحة نقله، وهذا وهم لا يجوز.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولورثه القتيل أن يقسموا وإن كانوا غيبًا عن موضع القتيل لأنه يمكن أن يعلموا ذلك باعتراف القاتل أو ببينة لا يعلمهم الحاكم من أهل الصدق عندهم وغير ذلك من وجوه ما يعلم له الغائب".
قال الحاوي: يجوز لأولياء المقتول أن يقسموا وإن لم يشهدوا القتل إذا علموه من جهة عرفوها بالصدق.
وقال أبو حنيفة: لا يقسموا إذا غابوا عنه لأنهم على غير يقين منه.
ودليلنا: أن النبي صلى الله عليه وسلم عرض الإيمان في قصة الأنصاري على عبد الرحمن بن سهل وكان بالمدينة وقتل أخوه عبد الله بن سهيل بخبير، ولأن الإنسان قد يقسم الأموال على ما علمه يقينًا وعلى ما عرفه بغلبة الظن أن يجد في حساب نفسه بخطه أو في حساب أبيه أن على فلان كذا فيجوز أن يحلف على استحقاقه، وإن كان بغلبة ظن لا بيقين وكذلك في الدماء ولأن حكم الشهادة أغلظ، ثم كان للشهود أن يشهدوا تارة بما علموا قطعًا مما شهدوه من العقود وسمعوه من الإقرار. وكان لهم تارة أن يشهدوا بغلبة الظن في الأنساب والموت والأملاك المطلقة بخبر الاستفاضة فلما كانت الشهادة تنقسم إلى يقين وغالب ظن كذلك الأيمان تنقسم وغالب ظن، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وينبغي أن يقول اتقوا الله ولا تحلفوا إلا بعد الاستثبات".
قال الحاوي: إنما أجرنا للحاكم أن يعظ الأولياء عند أيمانهم ويحذرهم مأثم اليمين الكاذبة، ويتلو عليهم قول الله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَشْتَرُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَأَيْمَانِهِمْ ثَمَنًا قَلِيلًا
...) آل عمران: 77) الآية.
ويأمرهم بالاستثبات والأناة قبل الإقدام عليها، لأمرين:
أحدهما: اعتبارًا بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم في اللعان حين وعظ الزوجين في الخامسة فكانت الأيمان في الدماء بمثابتها وأغلظ.
والثاني: انه قد يستحق بأيمانهم ما لا يمكن استدراكه من القود فقدم الاستظهار بالوعظ والتحذير لأنه يوجب قود يدرأ بالشبهة، وإن كان في قتل خطأ وعظوا وحذروا مآثم أيمانهم الكاذبة.