تعلقت برقبة عبده، إلا أن يفديه السيد منها. وسواء كان العبد فيها مقرًا أو منكرًا، وإن أنكرها السيد حلف وبرئ وجاز أن يستأنف الدعوى على العبد فإن أنكرها حلف وبرئ وإن اعترف بها تعلقت بذمته، يؤديها بعد عتقه ويساره فلو أنكرها العبد ونكل عن اليمين فيها فردت على المدعي وحلف ثبتت له الجناية بيمينه بعد النكول. وهل تتعلق برقبته أو بذمته؟ على قولين مبنين على اختلاف قوليه في يمين المدعي بعد نكول المدعي عليه هل تقوم مقام البينة أو مقام الإقرار؟ فإن قيل أنها تقوم مقام البينة تعلقت برقبته وإن قيل إنها تقوم مقام الإقرار تعلقت بذمته.
فأما المزني فإنه قال: كما لا يضر سيده إقراره بما يوجب المال فكذلك لا يضر عاقلة الحر قوله هذا صحيح لأن العاقلة لا تتحمل الجاني كما لا يلزم السيد إقرار عبده، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ومن كان منهم سكران لم يحلف حتى يصحو. قال المزني: هذا يدل على إبطال السكران الذي لا يعقل ولا يُميز".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، إذا توجهت اليمين على سكران لم يحلف في حال سكره حتى يصحو، لأمرين:
أحدهما: أنه ربما اشتبه عليه بالسكر ما لا يستحقه.
والثاني: أن اليمين موضوعة للزجر، والسكران يقدم في سكره على ما يمتنع منه عند إفاقته.
واختلف أصحابنا في هذا الامتناع من استحلافه هل هو مستحب أو واجب؟ على وجهين:
أحدهما: أنه مستحب فإن أحلف في حال سكره أجزأ، لأننا نجري عليه في السكر أحكام المفيق.
والثاني: أنه واجب وأن الاستحلاف في حال سكره لم يجزه، لما قدمناه من وضع اليمين للزجر وسكره يصد عن الانزجار.
وأما المزني فإنه جعل منع الشافعي من استحلافه في السكر دليلًا على أن طلاق السكران لا يقع، فلم يلزمه حكم الشافعي بوقوع الطلاق وصحة ظهاره وثبوت ردته، ومنع من إحلافه واستتابته من ردته حتى يفيق، فاختلف أصحابنا في ذلك على وجهين:
أحدهما: أنه يجري عليه في جميعها أحكام الصاحي فيما له وفيما عليه مما ضره أو نفعه، وهو الظاهر قول أبي إسحاق المروزي، ويحمل منعه من إحلافه واستتابته على