القلم عنهم لا يمنع من وجوب حكم القتل في أموالهم كما لم يمنع من وجوب الدية، وكما لا يمنع النائم إذا انقلب علي إنسان فقتله من وجوب الدية مع الكفارة.
وأما قياسهم علي الصلاة والصيام فمنتقض بوجوب الغرم وجزاء الصيد ثم المعني في الصلاة والصيام أنهما عبادتان علي البدن والكفارة حق في المال فافترقا كما افترق القصاص والدية وأما قياسهم علي كفارة الأيمان مع انتفاضه بجزاء الصيد فالمعني فيه أنه لما لم تصح مهما الأيمان لم يلزمهما كفارتهما ولما صح منهم القتل لزمتهما كفارته.
وأما قياسهم علي القصاص، فالمعني في القصاص أنه حق علي بدن فسقط عنهما كالحدود والكفارة، حق في مال فلم تسقط عنهما كذكاة الفطر وجزاء الصيد، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: ((وقال تعالي: {فَإن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} النساء: 92 يعني في قوم في دار حرب خاصة ولم يجعل له قودا ولا دية إذا قتله وهو لا يعرفه مسلما وذلك أن يغير أو يقتله في سرية أو يلقاه منفردا بهيئة المشركين وفي دارهم أو نحو ذلك)).
قال في الحاوى: وهذا صحيح، ذكر الله تعالي في هذه الآية أحكام القتل في ثلاثة أوجب فيهم ديتين وثلاث كفارات:
أحدهما: وهو المقدم فيها قتل المؤمن في دار الإسلام فأوجب فيه الدية والكفارة بقوله تعالي: {ومَن قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَئًا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ ودِيَةٌ مُّسَلَّمَةٌ إلَى أَهْلِهِ إلاَّ أَن يَصَّدَّقُوا} النساء: 92 وقد استوفيناه.
والثاني: قتل المؤمن في دار فأوجب فيه الكفارة ولم يوجب فيه الدية بقوله تعالي: {فَإن كَانَ مِن قَوْمٍ عَدُوٍّ لَّكُمْ وهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُّؤْمِنَةٍ} النساء: 92 ومعناه فإن كان من قوم من أعدائكم مؤمن قتلتموه بينهم فتحرير رقبة تلزمكم في قتله. ولا يخلو حال قتله فيهم من أربعة أقسام:
أحدهما: أن يعلم قاتله أنه مسلم وتعمد قتله فعليه القود.
وقال أبو حنيفة: لا قود عليه لقوم النبي صلي الله عليه وسلم: ((منعت دار الإسلام ما فيها وأباحت دار الشرك ما فيها)) ولأنه مقتول في دار الحرب فلم يستحق فيه قود كأهل الحرب.
ودليلنا قول النبي صلي الله عليه وسلم: ((إن الله حرم من المسلم ماله ودمه وأن لا يظن به إلا خيرا)) ولأنه عامد لقتل مسلم محقون الدم فوجب أن يلزمه القود كما لو قتله في دار الإسلام.