تصح منع الوكيل من القصاص فقد أساء ولا ضمان عليه، لأنه مأذون له في فساد عقده، وإن قيل بجواز الوكالة في الاستيفاء، فإن عقدت الوكالة بعد ثبوت القصاص صحت وإن عقدت قبل ثبوت القصاص ففي صحتها وجهان:
أحدهما: وهو قول أبي إسحاق المروزي: لا تصح الوكالة لعقدها قبل ثبوت الاستحقاق.
والثاني: تصح الوكالة لأن القصاص مستحق بالقتل فصارت الوكالة معقودة بعد الاستحقاق وهكذا لو جمع له في عقد الوكالة بين تثبيت القصاص، وبين استيفائه، صحت الوكالة في إثباته، وفي صحتها في استيفائه وجهان:
فإذا صحت الوكالة في الاستيفاء فهل يلزم إحضار المولى حيث يعلم الوكيل أو الحاكم بطلبه وعفوه؟ على وجهين:
أحدهما: وهو قول أبي المروزي، يلزم حضوره إلي حيث لا يخفى على الوكيل أو الحاكم حاله في بقائه على الطلب أو حدوث العفو، لأنه قود يفوت استدراكه، والظاهر من أحوال أهل الدين الذين وصفهم الله تعالى بالرأفة والرحمة أن يعفو بعد ظهور القدرة.
والثاني: لا يلزم أن يقرب كما لم يلزم أن يحضر، لأن ظاهر حاله بقاؤه على استيفاء ما وكل فيه ولا يمنع من ذلك فوات استدراكه كما لم يمنع من التوكيل في عقد النكاح، وفي الطلاق الثلاث، مع فوات استدراكه، والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإذا أمر السلطان بقتل رجٍل أو قطعه اقتص من السلطان لأنه هكذا يفعل ويعزر المأمور".
قال في الحاوي: وقد مضت هذه المسألة في أول كتاب الجنايات وهو أن يأمر السلطان رجلًا بقتل رجل مظلمًا فقتله المأمور لم يخل حاله من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يعتقد أن السلطان محق في قتله، وأنه لا يرى قتل أحد ظلمًا فعلى السلطان الآمر القود، دون المأمور القاتل، لأن المأمور كالآلة لالتزامه طاعة سلطانه، والسلطان هو القتل لنفوذ أمره، ولا تعزير على المأمور، لأنه أطاع فيما ظاهره حق.
والثاني: أن يكون القتل مختلفًا في استحقاقه، كقتل مسلم بالكافر، والحر بالعبد، فيعقد السلطان الآمر وجوبه، لما أداه اجتهاده إليه، ويعتقد المأمور سقوطه لما يعتقده من مذهبه، فلا قصاص على واحد منهما لكن يعزر المأمور لإقدامه على قتل يعتقد حظره، وإن سقط القود باجتهاده كالآمر.