ابن عمر أن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "لا تقبل شهادة خصم ولا ظنين ولا ذي الإحنة".
ولأن الخصومة تؤول إلى العداوة، والعداوة تمنع من قبول الشهادة، ويجوز أن يشهد لخصمه وإن لم يشهد عليه. فلو شهد عليه ولا خصومة بينهما ثم قذف المشهود فلو عليه الشاهد فصار بالقذف خصمًا قبل الحكم بشهادته. لم ترد وجاز الحكم بها مع حدوث الخصومة على العداوة بخلاف حدوث الفسق قبل الحكم بالشهود، ولأن حدوث الخصومة والعداوة ليس بجرح يوجب رد الشهادة، ولو منع حدوث ذلك من الحكم بها لما صحت شهادة على أحد، لأنه يقدر على إسقاطها بحدوث نزاع وخصومة وما أدى إلى هذا بطل اعتباره.
فصل:
وتقبل شهادة الصديق لصديقه، وإن كان ملاطفًا، والملاطف، والمهادي، وبه قال أبو حنيفة وأكثر الفقهاء.
وقال مالك: لا تقبل شهادة الصديق الملاطف لصديقه، وتقبل شهادة غير الملاطف، لتوجه التهمة إليه بأن يشهد له بمال يصير إليه بالملاطفة بعضه فصار جارًا بها نفعًا.
ودليلنا: هو أن المودة مأمور بها، والهدية مندوب إليها. فلم يجز أن يكون ورود الشرع بها موجبًا لرد الشهادة، وبهذا المعنى فارق العدو لورود الشرع بالنهي عن العداوة.
ولأن ذوي الأنساب من الإخوة والأعمام قد يجوز أن ينتقل إليهم بالميراث فاشهدوا به وسائر أمواله، ثم لا يمنع ذلك من قبول الشهادة. والصديق الملاطف لا يستحق الميراث فكان أولى أن يكون مقبول الشهادة.
ولا وجه لما ذكر من جواز عوده إلى الصديق بالهدية، لأنه قد يجوز أن يهاديه ولا يهاديه، ويجوز أن يموت قبل مهاداته ويجوز إذا هاداه أن يعدل إلى غيره من أمواله فلم يكن لتعليل المنع بهذا الوجه والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولا لولد بنيه ولا لولد بناته وإن سفلوا ولا لآبائه وأمهاته وإن يعدوا".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، لا تقبل شهادة الوالد لمولديه به، وإن سفلوا، ولا شهادة الولد لوالديه وإن بعدوا.
وهذا قول مالك وأبي حنيفة وجمهور الفقهاء.
وقال أبو إبراهيم المزني وداود بن علي: شهادة الوالد لولده والولد لوالده جائزة.