أحدهما: أنها دالة على الشهادة عليهم لا لهم.
والثاني: أنه لما قرنها لنفسه في قوله: {شُهَدَاءَ لِلَّهِ ولَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الوَالِدَيْنِ} النساء: 135 دل على خروجها مخرج الزجر، أن يخبر على نفسه، أو ولده بغير الحق. ولا يمنع الدين والعدالة من رد الشهادة، كشهادة السيد لعبده ومكاتبه. وأما إنكار علي عليه السلام على شريح، فلأن شريحًا وهم في الدعوى؛ لأن عليًا عليه السلام ادعى الدرع للمسلمين في بيت المال، ولذلك استشهد بابنه الحسن، ولم يدعها لنفسه، وإنما كان في الدعوى نائبًا عن كافة المسلمين كالوكيل، فوهم شريح وظن أن الدعوى لنفسه. ولذلك أنكر علي عليه السلام وعزله، لأنه لم يثبت في الفحص عن حقيقة الحال، فيعلم بها جواز الشهادة، فصارت دليلًا على المنع من شهادة الولد لوالده.
فصل:
وأما شهادة الوالد على ولده فمقبولة على العموم في جميع الحقوق، لأنه ولايتهم في الشهادة عليه. وإن كان متهمًا في الشهادة له.
وأما شهادة الولد على والده فتقبل في كل ما يجوز أن يستحقه الولد على والده من جميع الحقوق وفي قبولها فيما لا يجوز أن يستحقه الولد على والده من حد قذف أو قصاص فيه قولان:
أحدهما: لا تقبل، لأنه لما لم يقتل بقتله لم يقتل بقوله: كالعبد في الشهادة على الحر.
والثاني: وهو الأصح تقبل شهادته عليه كما تقبل في غيره كالحر تقبل شهادته على العبد وإن لم يقتل بالعبد.
وأما الولد من الرضاع والوالد من الرضاع فشهادة بعضهم لبعض عليه فمقبولة له بخلاف النسب، لاختصاص الرضاع بتحريم النكاح، وبفارق النسب فيما عداه من أحكامه من التوارث ووجوب النفقة والعتق بالملك، وليس تحريم النكاح بمانع من قبول الشهادة.
وأما ما عدا عموم الآباء والأبناء من المناسبين كالإخوة والأخوات وبنيهما، والأعمام والعمات وبنيهما والأخوال والخالات وبنيهما، فتقبل شهادة بعضهم البعض، وهو قول أبي حنيفة وجمهور الفقهاء.
وقال الأوزاعي: لا أقبلها من ذي محرم كالوالد والولد.
وقال مالك: أقبلها في كل حق إلا في النسب لأنه منهم باجتذابه والتكثر. وكلا المذهبين فاسد، لأن عمر وابن الزبير أجازاه وليس لهما مخالف فصار إجماعًا، لأنه نسب لا يوجب العتق والنفقة فلا يمنع من قبول الشهادة كغير المحرم من ذوي الأنساب.
وأما شهادة المعتق لمعتقه من أعلى وأسفل فمقبولة في قول الجمهور.