ابن أم عبد " يعني عبد الله بن مسعود، لحسن أدائه، وصحة ترتيله، وتحقيق ألفاظه.
وكان أبي بن كعب ذا صوت حسن، وأداء صحيح فقال له النبي {صلى الله عليه وسلم}: "لقد أمرت أن أقرأ عليك، فقرأ عليه".
واختلف أهل العلم في قراءته عليه. فقال بعضهم: ليستن به الناس بعده، فلا يستنكف شريف أن يقرأ على مشروف، ولا كبير على صغير.
وقال آخرون: ليسمع الناس قراءته وأداءه، فيأخذون عنه.
وقال آخرون: أراد به تفضيل أبي بذلك، ولأن في تحسين الصوت بالقرآن تحريك القلوب بالحزن والخشوع، وإنذار النفوس بالحزن والخضوع، فيكون أبعث على الطاعةً وأمنع من المعصيةً.
وروي أن النبي {صلى الله عليه وسلم} قرأ ذات ليلة في تهجده سورة النساء حتى إذا بلغ إلى قوله تعالى: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِن كُلِّ أمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاء شَهِيداً} النساء: 41. فبكى حتى علا نحيبه، ولم يزل يرددها حتى تحزن صوته.
ومر بعض أهل البطالةً، وقد هم بمعصية وقتل نفس بصالح المري وهو يقرأ {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} الفرقان: 23. فانزجر بها وألقى السكين من يده وخر مغشيًا على وجهه، وتاب، وصار ناسكًا.
فصل:
فأما القراءةً بالألحان الموضوعة للأغاني، فقد اختلف الناس فيها، فرخصها قوم وأباحوها، لرواية أبي سلمة، عن أبي هريرة، عن النبي {صلى الله عليه وسلم}، قال: "ليس منا من لم يتغن بالقرآن".
وشددها آخرون وحظروها، لخروجها عن الزجر والعظةً إلى اللهو والطرب. ولأنها خارجة عن عرف الرسول {صلى الله عليه وسلم} وصحابته رضوان الله عليهم، إلى ما استحدث من بعده.
وقد قال {صلى الله عليه وسلم}: "كل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار".
وأما الشافعي، فإنه عدل عن هذين الإطلاقين في الحظر والإباحة باعتبار الألحان، فإذا أخرجت ألفاظ القرآن عن صيغته، بإدخال حركات فيه وإخراج حركات منه، يقصد بها وزن الكلام وانتظام اللحن، أو مد مقصور، أو قصر ممدود، أو مطط حتى خفي اللفظ، والتبس المعنى، فهذا محظور، يفسق به القارئ، ويأثم به المستمع؛ لأنه قد عدل به