فصل
فإذا تقررت هذه الجملة، وقيل: إنه لا يلزم المقر من الدين إلا بقدر حصته وهو النصف، فلا خصومة بين الأخوين في الدين. ويكون صاحب الدين مخاصماً للمنكر في بقية دينه.
فإن قيل: إنه يلزم المقر جميع الدين، لم يؤخذ بدفع جميعه إلا بعد إحلاف أخيه لصاحب الدين، فإذا حلف أخذ من المقر حينئذ جميع الدين، وصار المقر خصماً لأخيه المنكر ليستأنف الدعوى عليه، ويحلف عليها إن استدام اإنكار، ولا تسقط عنه اليمين في حق أخيه باليمين التي حلفها لصاحب الدين، لاختلاف مستحقيها، كما لو أدى أحد الأخوين ديناً على منكر وأحلفه عليه لم يسقط حق الأخ الآخر من إحلافه.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: " وكذلك لو شهد أن أباه أوصى له بثلث ماله".
قال في الحاوي: وهذا صحيح، إذا كانت الدعوى في وصية اعترف بها أحد الابنين، وأنكرها الآخر. فهي على ضربين:
أحدهما: أن تكون غير معينة كالوصية بالثلث، فلا يلزم المقر بها إلا قدر حصته وهو نصف الثلث، بوفاق أبي حنيفة وجميع أصحابنا بخلاف الدين المختلف فيه، لوقوع الفرق بينهما، فإن جميع الدين مستحق فيما يوجد من قليلا لتركة وكثيرها. والوصية بثلث التركة لا يستحق إلا من جميعها.
والثاني: أن تكون الوصية معينة في ثلثي شيء من التركة، كالوصية بدار اعترف بها أحدهما، وأنكرها الآخر: فلا تخلو الدار من ثلاثة أحوال:
أحدهما: أن تكون باقية في التركة لم يقتسماها، فلا يلزم المقر إلا نصفها على المذهبين، لأنه لا يملك منها إلا النصف، وعلى المنكر اليمين، فإذا حلف، حسب على المقر قيمة النصف من حصته.
فلو أقر أحدهما أن أباه وصى بجميع هذه الدار لزيد، وأقر الآخر أنه وصى بجميعها لعمرو، كان نصف الدار لزيد فمن حصته من صدقة ولا يمين عليه لعمرو. ونصف الدار لعمرو، وهو حصة من صدقة، ولا يمين عليه لزيد؛ لأنه لو تصادق الأخوان على الوصيتين لكانت الدار بين زيد وعمرو نصفين، وقد صارت بينهما كذلك فلم يكن التكذيب مضراً، وانتقلت المنازعة بين زيد وعمرو، لأن كل واحد منهما يدعي أنه أحق بجميعها من صاحبه، فيتحالفان عليها وتقر بعد أيمانهما بينهما، فإن حلف أحدهما ونكل الآخر، فضي بجميعها للحالف دون الناكل.