قال: لعلك لم تشرب، أو قال: لعلك لم تعلم أنه مسكر أو لعلك أكرهت على شرب المسكر.
وإنما جاز التعريض للمقر بما يتنبه به على الإنكار، لأنه مندوب إلى الستر على نفسه فيما ارتكبه، وأنه يستغفر ربه لقوله صلي الله عليه وسلم: "من أتى من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر الله فإنه من يبدلنا صفحته نقم عليه حد الله".
ولا يجوز للحاكم أن يصرح له بالإنكار فيقول له: قل ما زنيت، ولا سرقت، ولا شربت، أو يقول له: أنكر ولا تقر، لحظر التصريح في إسقاط الحدود، لأنه قد يلقنه الكذب، ويأمره به.
فأما تعريض الحاكم للشهود بالتوقف عن الشهادة فقد اختلف أصحابنا في جوازه على وجهين:
أحدهما: لا يجوز لأنه يقدح في شهادتهم.
والثاني: يجوز لأن النبي صلي الله عليه وسلم قال: "هلا سترته بثوبك يا هزال". وقال عمر لزياد حين حضر لشهادته على المغيرة بالزنا: أيهما يا سلع العقاب أرجو أن يفضح الله على يدك أحدًا من أصحاب رسول الله صلي الله عليه وسلم فنبه على تعريضه فلم يصرح في شهادته بدخول الذكر في الفرج، فلم تكمل به الشهادة في الزنا.
وهذا التعريض بالإنكار جائز مباح، وليس بواجب، ولا استحباب، وهو حسب رأي الحاكم واجتهاده.
وقد قال الشافعي رضي الله عنه: لم أر بأسًا به، لأن النبي صلي الله عليه وسلم عرض لماعز ولم يعرض للغامدية، وقال: "اغد يا أنيس غلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها" فعرض في الأقل ولم يعرض في الأكثر.
فإن نبه بالتعريض على الإنكار فأنكر، فإن لم يتقدمه إقرار، قبل إنكاره في جميع الحدود ولم يستخلف على الإنكار، فإن تقدم منه الإقرار قبل الإنكار سقط حد الزنا، ولم يسقط عنه غرم المال المسروق، وفي سقوط قطع اليد وحد الخمر قولان، يسقط في أصحهما، ولا يسقط في الآخر.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو شهدا بأنه سرق من هذا البيت كبشًا لفلاٍن فقال أحدهما غدوةً وقال الآخر عشيةً أو قال أحدهما الكبش أبيض وقال الآخر أسود لم يقطع حتى يجتمعا ويحلف مع شاهده أيهما شاء".