العدد، وكانت بينة أحدهما شاهدين، وبينة الآخر عشرة، أو ترجحت بزيادة العدالة، فكانت بينة أحدهما أظهر زهدًا، وأوفر تحرجًا فهما من التعارض سواء، ولا يغلب الحكم بالبينة الزائدة في العدد والعدالة، وبه قال أبو حنيفة وأصحابه.
وقال مالك: المرجحة بزيادة العدد، وقوة العدالة أولى، والحكم بها أحق.
حكاه الشافعي في القديم، فخرجه بعض أصحابه قولًا ثانيًا، ونفاه أكثرهم عنه. وحكي عن الأوزاعي أنه قال: اقسم الشيء المشهود فيه على عدد البينتين، فإذا كانت إحداهما شاهدين والأخرى أربعة قسمت فيه أثلاثًا، فجعلت لصاحب الشاهدين سهمًا، ولصاحب الأربعة سهمين.
فأما مالك فاستبدل بما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "عليكم بالجماعة فإن الشيطان مع الواحد وهو من الجماعة أبعد" ولأن النفس إلي زيادة العدد أسكن، وبقوة العدالة أوثق ولذلك رجحت بها أخبار الرسول إذا تعارضت، فوجب أن ترجح بها الشهادات إذا تعارضت.
وأما الأوزاعي، فاستدل له بأن المشهود فيه مستحق بقولهم، فاقتضى أن يكون مقسطًا على عددهم. والدليل على التسوية بينهم أن الله تعالى نص على عدد الشهادة بقوله: {واسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ} البقرة: 282 وبقوله تعالى {وأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِّنكُمْ} الطلاق: 2، فمنع النص من الاجتهاد في الزيادة والنقصان. ولأن لما جاز الاقتصار على الشاهدين مع وجود من هو أكثر، وعلى قبول العدل مع من هو أعدل، دل على أن لا تأثير لزيادة العدد، وزيادة العدالة، ولأن ما تقدر بالشرع لم يختلف حكمه بالزيادة والنقصان كدية الحر، وما تقدر بالاجتهاد، اختلف حكمه بالزيادة، والنقصان لقيمة العبد، وبهما فرقنا في الأخبار المتعارضة بين زيادة لعدد، ونقصانه، لعدم النص من عدده وسوينا في الشهادات المتعارضة بين الزيادة والنقصان لورود النص في عدده وفيما ذكرناه انفصال عما استدلوا به.
وقول الأوزاعي أوهي، لأنه لو ثبت الحق بشهادة عشرة، ثم ثبت قضاؤه بشاهدين قضى بهما على شهادة العشر ولم يقسط القضاء على العدد كذلك في إثبات الحق، وهو حجة، على مالك أيضًا.
فصل:
فإذا ثبت أنه لا ترجح الشهادة بزيادة العدد وزيادة العدالة كذلك لا ترجح بأن يكون مع أحدهما شاهدان، والأخرى شاهد وامرأتان؛ لأن كل واحدة من الشاهدين بينة كاملة، فإذا تعارض شاهدان وشاهد ويمين ففيهما قولان:
أحدهما: أنهما سواء لأن الحق يثبت بكل واحدة منهما.