فأما الذي لا يجب الكشف عن سببه، فالأملاك المدعاةً من عين، أو دين، فالعين أن يدعي دارًا أو ثوبًا أو عبدًا معلومًا بصفةً أو تعيين، والدين أن يقول عليه ألف درهم بصفتها فلا يلزم أن يسأله عن سبب ملكه، لما ادعاه، ولو سأله لم يجب على المدعي ذكر سببه. وإنما لم يجب الكشف عن سبب الملك، لأن أسباب الملك تكون من جهات شتى بكثرة عددها، لأنه قد يملك بالميراث، والابتياع، وبالهبة، والقيمةً، وبالوصيةً، وبغير ذلك من الوجوه كالإجباء، وحدوث النتاج، والثمار، فسقط الكشف عن سببها لكثرتها واختلافها.
وأما القسم الذي يجب الكشف عن سببه، فدعوى القذف والقتل، فإن ادعى قتلًا قيل أعمد أم خطأ؟
فإن قال: عمد سئل عن صفة العمد، وإن ادعى قذفا سئل عن لفظ القذف، لأن القتل يختلف حكم عمده، وخطئه، وقد يدعى من العمد ما لا يكون عمدًا، ولما في العمد من اختلاف أسبابه، وأحكامه وفي الحكم به قبل السؤال فوات ما لا يمكن استدراكه، والقذف قد تختلف ألفاظه وأحكامه فافتقر ذلك إلى كشف السبب، وصفته ليزول عن الاحتمال وصار كالشاهد إذا شهد بفسق مجروح، أو نجاسة ماء لم يحكم بنجاسته حتى يذكر سبب ما صار به المجروح، فاسقًا، والماء نجسًا، للاختلاف في التفسيق والتنجيس.
فصل:
وأما القسم المختلف في وجوب الكشف عن سببه، فهو أن تتوجه الدعوى إلى عقد يتردد بين الصحةً والفساد، فهو على ضربين:
أحدهما: أن يكون مما يغلظ حكمه في الشرع، كالنكاح المغلظ بالولي والشاهدين، فالحاكم مندوب عند الشافعي أن يسأل مدعي النكاح عن صفته، فيقول نكحتها بولي، وشاهدي عدل، ورضاها، فاختلف أصحابه فيما خص به النكاح من صفة العقد، هل هو محمول على الوجوب أو على الاستحباب على ثلاثة أوجه:
أحدها: أنه محمول على الاستحباب دون الوجوب سواء ادعى العقد فقال: تزوجت بهذه المرأة، أو ادعى النكاح فقال هذه زوجتي، وتصح الدعوى، وإن لم يصف العقد، وهذا قول أبي العباس بن سريج وبه قال أبو حنيفة ومالك لأمرين:
أحدهما: أنه لما لم يلزم في دعوى البيع صفة العقد، وإن اعتبرت فيه شروط اختلف فيها لم يلزم صفةً النكاح لأجل شروطه، واختلاف الناس فيها.
والثاني: أنه قد يعتبر في صحة النكاح وجود شرائط كالولي، والشاهدين، ورضا المنكوحة، وعدم شروط كعدم العدةً، والردةً، والإحرام، فلما لم يعتبر في دعوى النكاح، الشروط المعدومة لم تعتبر الشروط الموجودة.