مستوفاةً، وأعادها المزني هاهنا لأمرين:
أحدهما: بصحة الدعوى بصحتها، وفساد دعواها بفسادها.
والثاني: لوجوب اليمين في إنكارها إذا صحت، والذي نص عليه الشافعي في كتاب الضمان، أن كفالة النفوس صحيحة وهو قول جمهور الفقهاء، لقول الله تعالى في قصة يوسف، عليه السلام: قال {قَالَ لَنْ أُرْسِلَهُ مَعَكُمْ حَتَّى تُؤْتُونِ مَوْثِقًا مِّنَ اللَّهِ لَتَاتُنَّنِي بِهِ} يوسف: 66. يعني كفيلًا بنفسه، ولأنه قد عمل بها الصدر الأول، ولأن فيها رفقا بالناس، وتعاونا على الصيانةً. ثم قال الشافعي هاهنا: "إلا أن الكفالة في النفس ضعيفةً". فاختلف أصحابنا في مراده بضعفها، فقال بعضهم: أراد به بطلانها. فخرجوا هذا قولًا ثانيًا، في إبطالها لأنه لم يكفل بمال في الذمةً، ولا بعين مضمونةً، يجب غرم قيمتها. وقال آخرون منهم: لم يرد بالضعف إبطالها، وإنما أراد ضعفها في قياس الأصول، وإن صحت بالآثار والعمل المتفق عليه.
فأما إذا كانت الكفالة بالنفس في حقوق الله تعالى: فإن منع منها في حقوق الآدميين على التخريج الذي ذهب إليه بعض أصحابنا كانت في حقوق الله تعالى أمنع لإدرائها بالشبهات. وإن أجيزت في حقوق الآدميين على الظاهر المشهود، من المذهب ففي جوازها في حقوق الله تعالى قولان:
أحدها: لا تجوز تعليلًا بما ذكرنا.
والثاني: تجوز لقول النبي {صلى الله عليه وسلم}: "قدر الله أحق أن يقضى".
فصل:
فإذا توجهت دعوى الكفالة على رجل، خوصم فيها إلى الحاكم فإن كان يرى إبطال الكفالة بالنفس، لم تسمع الدعوى فيها، ولم تجب اليمين في إنكارها، وإن كان يرى جوازها سمع الدعوى فيها وأوجب اليمين على منكرها، وقال أبو حنيفة: لا يمين على منكرها، وإن صحت، وبناه على أصله في إسقاط اليمين على المنكر، في خمسةً عشر موضعًا يطول شرحها، وقد مضى الكلام في نظائرها.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو أقام بينة أنه أكراه بيتا من داره شهرًا بعشرةً وأقام المكتري البينة أنه اكترى منه الدار كلها ذلك الشهر بعشرة فالشهادة باطلة ويتحالفان ويترادان فإن كان سكن فعليه كراء مثلها".
قال في الحاوي: اعلم أن اختلاف المتكاريين في عقد الإجارةً كاختلاف المتبايعين في عقد البيع، فيكون اختلافهما تارةً في الأجرةً كاختلافهما في الثمن، ويختلفان تارة في