وهو: وقفهما على البيان، فخرجه البغداديون قولًا رابعا للشافعي، وامتنع البصريون من تخريجه قولًا رابعًا، لأن وقف البينة على البيان يوجب الحكم بالبيان دون البينةً، وإنما يوقف المال على البيان دون البينةً، وهذا أشبه، فإذا تقررت هذه الأقاويل في تعارض البينتين لم يخرج في تعارضهما في عقد الإجارة إلا قولين:
أحدهما: إسقاطهما ويتحالف المتداعيان.
والثاني: الإقراع بين البينتين، والحكم بشهادة من قرع منهما
وفي إحلاف من قرعت بينته قولان، من اختلاف قولي الشافعي في القرعة هل دخلت ترجيحًا للدعوى أو للبينة؟ فأحد قوليه أنها دخلت ترجيحًا للبينةً، فعلى هذا لا يمين على من قرعت بينته، لأن الحكم بالبينةً ولا يمين مع البينة.
والثاني: أنها دخلت ترجيحًا للدعوى، فيجب إحلاف المدعي. فعلى هذا يكون فيما ثبت به الحكم وجهان:
أحدهما: باليمين مع البينة، وتكون يمينه بالله أنه ما شهدته بينته حق، وقد نص عليه الشافعي.
والثاني: أن الحكم يثبت بيمينه ترجيحًا بالبينةً، وتكون يمينه بالله، لقد اكتريت منه الدار بكذا. ولا يجيء فيه تخريج القول الثالث، أنه يقسم بينهما بالبينتين، لأن قسمة العقد لا تصح، ولا يجيء فيه تخريج القول الرابع إن صح تخريجه، أنه يكون موقوفا على البيان لتعذره في الدعوى والبينة، فوجب أن يفصل الحكم بينهما بالتحالف.
والثالث: أن تكون البينتان مطلقتين ليس فيهما تاريخ يدل على اجتماعهما أو تقدم إحداهما، فقد حكي عن أبي العباس بن سريج، أنه يحكم بأزيد البينتين، فإن كان الاختلاف في الأجرة حكم بأكثرهما قدرًا.
وإن كان في الكراء حكم بأكثرهما قدرًا.
كما لو شهدت بينة بألف، وبينة بألفين، حكم بالألفين، والذي نص عليه الشافعي: أن البينتين متعارضتان تتساوى فيها الزيادة والنقصان، لأن عقد الكراء بعشرة يمنع منعقده بعشرين، وكراء البيت بعشرة يمنع من كراء الدار بعشرين، فيكون تعارضهما محمولًا على القولين، يسقطان من أحدهما ويقرع بينهما في الثاني.
فصل:
وإذا تنازع المكري، والمكتري، في شيء من آلة الدار، وادعاه كل واحد منهما ملكًا، لنفسه انقسم ثلاثة أقسام:
أحدها: ما يكون القول فيه قول المكري، وهو كل ما كان متصلا بالدار من آلاتها، كالأبواب، والدهليزات، والرفوف المتصلة، والسلاليم المسمرةً، فالقول في ملكها قول المكري، مع يمينه لاتصالها بالدار التي هو مالكها.
والثاني: ما يكون القول فيه قول المكتري مع يمينه، وهو قماش الدار وفرشها من البسط،