فعلى هذا يحكم بالدار للمدعي ببينته دون يمينه، ونسب المروزي المزني إلى الغلط في هذا الموضع من وجهين:
أحدهما: أنه جعل ذلك قضاء على الغائب، وهو قضاء على الحاضر.
والثاني: أنه وهم في تخريج القضاء على الغائب على قولين، ولعمري أنه وهم فيما أوهم من القولين، وهو فيما رآه من القضاء على الغائب محتمل، فإذا قدم الغائب، بعد الحكم بالدار للمدعي واعترف بها ونازع فيها وجرى عليه حكم منازع ذي يد، لأنها انتزعت من يد منسوبة إليه، واختار الشافعي للحاكم، إذا حكم لمدعي ببينته أن يكتب في قضائه للمدعي صفة الحال، وأنه حكم ببينته، وأنه جعل الغائب فيها على حجته.
فصل:
فإن أراد صاحب اليد، حين انتزعت الدار من يده ببينة المدعي، أن يقيم بينة الغائب بملكه للدار لم يخل حاله في إقامتها من ثلاثة أقسام:
أحدها: أن يكون ثابت الوكالة عن الغائب، فيسمع منه البينة للغائب بالملك، لأنه وكيله فيها، ويحكم للغائب، لأن له مع البينة يدا ليست للمدعي.
والثاني: أن لا يكون وكيلًا للغائب ولا يتعلق له بالدار حق على الغائب من إجارة، ولا رهن، فلا تسمع منه البينة للغائب، لأنه لا حق له في إقامتها، وقد يجوز أن يكون الغائب منكرًا لها، ويكون الحكم فيها ببينة المدعي، حتى يقدم الغائب، فيدعي كمن شهدوا في تركة بقسم ومال مفلس يباع عليه أن عبدًا من جملته ملك لغائب لم يدعه، لم تسمع الشهادة، وقسم بين ورثة الميت وغرماء المفلس، وإن أراد إقامة البينة، بملك الغائب لاستيفاء حقه منها بالإجارة أو بالرهن فقد اختلف أصحابنا في جواز سماع البينة منه على وجهين:
أحدهما: تسمع منه البينة فيها لتعلق حقه بها، ويقضى بملكها للغائب، ويقضى عليه لصاحب اليد بالإجارة، والرهن، ويكون القضاء بها لغير مدع، تبعا للقضاء لحق الحاضر عليه.
والثاني: صدر هذا الكتاب آليا بواسطة الموسوعة الشاملة وهو قول أبي إسحاق المروزي لا تسمع بينة الحاضر وإن ادعى الإجارة والرهن، لأنهما تبع لملك الأصل، فلم تصح فيه الإجارة، ولا الرهن، إلا بعد ثبوت ملك الغائب، وملك الغائب لا يثبت بالبينة إلا بعد مطالبته. والله أعلم.
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "ولو أقام رجل بينة أن هذه الدار كانت في يديه