كذلك في مسألتنا: يصح فيه البيعان، ويلزمه الثمنان لإمكان الصحة وامتناع التنافي، وإذا أمكن حمل البينتين على الصحة لم يجز أن يحملا على التنافي والتضاد.
الثانية: أن يكون تاريخ البينتين واحداً فشهد بينة أحدهما أنه باع عليه ثوبه هذا بألف، مع زوال الشمس من يوم السبت، وتشهد بينة الآخر أنه باع عليه ثوبه هذا بألف في ذلك الزمان بعينه، مع زوال الشمس من يوم السبت، فقد تكذيب البينتان فتعارضت لاستحالة أن يكون كل الثوب ملكاً لكل واحد من البائعين في وقت واحد، وبيعة كل واحد منهما عليه في وقت واحد، فكان تعارضهما مع الكاذب محمولاً على الأقاويل الثلاثة في تعارض البينتين:
أحدهما: إسقاطهما بالتعارض ولا يتعين به حرج أحدهما بالكاذب ثم رجع بعد إسقاطهما إلى قول صاحب اليد، فإن كذبهما حلف لهما، وبرئ من مطالبتهما وإن صدقها حكم عليه لكل واحد بثمنه فيلزمه لهما ثمنان لإمكان ابتياعه من كل واحد منهما، وإن صدق أحدهما وكذب الآخر لزمه ثمنه للمصدق وحلف المكذب وبرئ بيمينه وإن نكل عنها ردت على المكذب وحكم له عليه بالثمن إذا حلف فيصير ملتزماً لثمنه في حق الأول بإقراره، وملتزماً بثمنه في حق الثاني بيمينه.
والثاني: الإقراع بين البينتين والحكم لمن قرع منهما، ويبطل حكم المقروعة بالقارعة، وفي أحلاف من قرعت بينته، قولان: يحلف في أحدهما إن جعلت القرعة مرجحة للدعوى، ولا يحلف في القول الآخر إن جعلت مرجحة للبينة.
والثالث: استعمال البينتين، وقسم الثوب المبيع بينهما نصفين، فيصير كل واحد منهما بائعاً لنصفه بنصف الثمن فيكون الثمن بينهما كما جعل الثوب بينهما، ولا خيار لمشتريه أن الصفقة لم تتبع عليه، وإنما تبعت في حق بائعه فإن طلب كل واحد من البائعين أخلاف المشتري بعد استعمال البينتين كان له أحلافه لأنه لو صدقه لزمه دفع الباقي من ثمنه.
والثالثة: أن تكون البينتان مطلقتين أو إحداهما، فيتحمل أن يحمل إطلاقها على التعارض ويحتمل أن يحمل على الإمكان فاختلف أصحابنا فيما يحمل عليه هذا الإطلاق على وجهين:
أحدهما: وهو قول الأكثرين: أنه يحمل على الإمكان ويقضي على المشتري، بالثمنين لجواز أن يكون إطلاقهما في وقتين.
وإذا أمكن استعمال البينتين على الصحة، لم يجز أن يحملا على التعارض.
والثاني: أنه يحمل إطلاقهما على التعارض في وقت واحد لأن الأصل براءة ذمة المشتري فلا يضمن بأمر محتمل، وإذا حكم بتعارضهما على هذا الوجه كان على الأقاويل الثلاثة:
أحدهما: إسقاطها.