فجلس بين يديه، فنظر إليه مليًا، وقال له: ألك أخ؟ قال: نعم ولكنه غائب في البحر منذ سنين، فقال له: لعله هذا الجائي فقام إليه، فإذا هو أخوه قد قدم من ساعته. وحكي أبو ثور قال: كنت عند الشافعي، فجاء رجل فقال: ما صناعة هذا؟ فقال: لا أعرف. ولكن إما أن يكون خياطًا، أو نجارًا، فسألنا الرجل عن صناعته، فقال: كنت خياطًا فصرت نجارًا.
وقال المصنف: كنت ذات يوم، وأنا جالس بجامع البصرة، ورجل يتكلم فجمعني أصحابي حضوره، فلما سمعت كلامه، قلت له ولدت بأذربيجان، ونشأت بالكوفة، قال: نعم. فعجب مني من حضر والقيافة، والفراسة، غريزة في الطباع يعاني فيها المجبول عليها، ويعجز فيها المصروف عنها، وبالله التوفيه.
باب دعوى الأعاجم ولادة الشرك والطفليسلم أحد أبويه
مسألة:
قال الشافعي رضي الله عنه: "وإذا ادعى الأعاجم ولادة بالشرك فإن جاؤونا مسلمين لا ولاء في واحدٍ منهم قبلنا دعواهم كما قبلنا من أهل الجاهلية".
قال في الحاوي: وأصل هذا الباب أن حفظ الأنساب ينقسم إلى ثلاثة أقسام: قسم يجب حفظه وتعيينه، وقسم يجب حفظه ولا يجب تعيينه، وقسم لا يجب حفظه ولا تعيينه.
فأما القسم الأول: الذي يجب حفظه وتعيينه فهي الانتساب التي يستحق بها التوارث، لقربهما وضبط عددها، فحفظها بين المتناسبين فيها واجب لهم، وعليهم على تفضيل النسب وتعيين الدرج، لأنها توجب من حقوق التوارث لهم عليهم وولاية النكاح بما لا يوصل إلى معرفة مستحقة، إلا منه فلزمهم حفظه وتعدده.
وأما القسم الثاني: وهو الذي يجب حفظه، ولا يجب تعيينه فهي الأنساب المتباعدة عن التوارث، وتختص بأحكام تأبى من عددها، وهم ذوو رسول الله صلى الله عليه وسلم من بني هاشم وبني عبد المطلب، لاختصاصهم ذي القربى، وتحريم الصدقات المفروضات عليهم، فعليهم أن يعرفوا أنهم من بني هاشم، ومن بني المطلب على اختلاف في البطون المتميزة، ليكونوا مشهورين في عشائرهم، وإن لم يتعين لهم اتصال أنسابهم، ليعرفهم ولاة الغني في حقهم. من سهم ذي القربى، ويعرفهم ولاة الصدقات في منعم منها.
وأما القسم الثالث: الذي لا يجب حفظه، ولا تعيينه فهي الأنساب المتباعدة عن