وقال بعض أصحابنا بخراسان: في كلتا المسألتين، قولان وهذا غلط، والجواب أنا لا نقول إن الصلاة تجب بأول الوقت من حيث لا تأثير لآخره في الوجوب، بل الصلاة تجب بقدر ما أدرك من الوقت، فإن أدرك الأول دون الآخر وجبت بالأول، وإن أدرك الآخر دون الأول وجبت بالآخر، وان أدرك جميع الوقت، فالوجوب وفق الأول فلا يؤدي الصلاة في جز، من أجزاء الوقت إلا وقد أداها في وقت وجوبها، فيصير قاضياً إذا أداها، فبان صحة ما قلناه؛ وأيضاً بالسفر يتعلق تخفيف الفرض دون إسقاطه، فإذا حققنا عنه بعد لمكان فعلها لعارض السفر لم يؤد ذلك إلى إخلاء أول الوقت من الوجوب، وإذا أسقطنا لعارض الحيض أو الجنون أدى 58 ب / 3 إلى إخلاء أول الوقت من الوجوب.
وقال القفال رحمه الله: هذا شيء يختاره المزني على أصل الشافعي لأن مذهبه أنه لو فاتته صلاة في الحضر، ثم أداها في السفر، فإنه يقصر فاعتبر وقت القضاء وهذا هو مذهب تفرد به، وفي هذا عندي نظر.
والثالثة: أن يسافر وقد بقي من الوقت مقدار ما يصلي فيه أربع ركعات يجوز له القصر أيضاً. وقال المزني وأبو الطيب بن سلمة رحمهما الله صاحب بن سريج: لا يجوز له القصر؛ لأنه قد تعين صلاة الحضر، وهذا غلط؟ لأنه لم يتضيق وقتها في حال الإقامة، فإذا لم يتضيق لم يتعين فعلها مقيماً فجاز له القصر.
والرابعة: أن يسافر وقد بقي من الوقت ما لا يمكنه أن يصلي فيه أربع ركعات. نص الشافعي في "الإملاء" في هذه المسألة أن له القصر حكاه القافي الطبري، وقال القاضي أبو علي البندنيجي: نص عليه في "الأم" في باب تفريع السفر.
وقال في "الحاوي": المنصوص في غير "الإملاء"، وبه قال عامة أصحابنا إنه لا يقصرها لعدم الأداء في جميعها ففي المسألة قولان، واختيار أبي إسحاق أنه لا يقصر، واختيار ابن خيران أنه 59 أ / 3 يقصر واستدل بأن الصلاة قد تجب بآخر الوقت في أصحاب العذر كوجوبها في أوله، فاقتضى أن يستويان في جواز القصر، وهذا مبني في الحقيقة على أنه يكون مؤدياً لكلها ومؤدياً لبعضها قاضياً لبعضها وقد بينا هذا فيما مضى، وظاهر المذهب ما ذكره ابن خيران.
والخامسة: أن يسافر وقد بقي من الوقت ما يصلي فيه ركعتين، فالمذهب أن المسألة على قولين. وحكى الداركي عن أبي هريرة أنه يجوز له القصر هاهنا قولاً واحداً، لأنه إذا قصرها أدى جميع الصلاة في وقتها، وهذا غلط لما بيناه.
والسادسة: أنه يسافر وقد بقي من الوقت مقدار تكبيرة وما دون ركعة يلزمه الإتمام بلا خلاف.
مسألة: قال: وليس له أن يصلي ركعتين في السفر إلا أن ينوي القصر مع الإحرام.