وهذا كما قال: هذه صورة صلاة يكون في ابتدائها مسافراً وفي آخرها مقيماً، فإذا أحرم 63 ب / 3 بالصلاة بنية القصر، ثم نوى في الصلاة أن يقيم في ذلك الموضع أربعة أيام فصاعداً لم يجز له القصر، لأنه اجتمع له المقام مع النية، فإن قيل: أليس لو كان مقيماً فنوى السفر لا يصير مسافراً بمجرد النية فيجب أن لا يصر مقيماً لمجرد النية؟ قلنا: الفرق هو أن نية الإقامة قد وجدت مع نقل الإقامة وهو اللبث، ونية السفر لم توجد مع السفر، ولو نوى السفر وسار مع النية صار مسافراً، ووزانه من مسألتنا أن ينوي الإقامة وهو سائر في سفره غير ماكث لا يصير مقيماً، ونظير هذه المسألة إذا نوى القينة في مال التجارة يصير للقينة، ولو نوى التجارة في مال القينة فإنه لا يصير للتجارة ما لم يتجر، فإن قيل: ألا قلتم وجود الإقامة في أثناء الصلاة لا يوجب إتمامها حيث مع الدخول فيها مقصورة، كما قلتم في المتيمم: إذا رأى الماء في صلاته لا تبطل صلاته.
قلنا: الفرق هو أن المتيمم وجب عليه الدخول في الصلاة عند عدم الماء وهذا رخص له، فإذا زال سبب الرخصة سقطتء ولأن المتيمم إذا وجب عليه استعمال الماء بطل ما عمله بالتيمم، وها هنا يتمم الصلاة ويبني على ما فعله.
وقال مالك رحمه 64 أ / 3 الله: لا يبني عليها فإن كان قد صلى ركعة بسجدتيها أتمها ركعتين نافلة ويستأنف الفريضة، وهذا غلط؛ لأنهما صلاة واحدة ولا تختلف بينهما إلا من جهة العدد، فإذا نواها ركعتين جاز له أن يجعلها أربعاً كالنافلة، وإن كان إماماً وخلفه مسافرون في هذه المسألة يلزمهم أن يتموا أيضاً، وإذا أرادوا الإتمام بنوا على ما فعلوا ولا تبطل صلاتهم وقد ذكرنا عن مالك أنه قال: هم يقصرون، وكذلك لو نوى الإتمام فإنه يلزمه الإتمام وعليهم أن يتموا.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: يقصر هو ويقصرون لأنه لا تأثير لنية الإتمام عنده في الصلاة في السفر، فإن قيل: أليس لو نوى الإتمام لا يجوز له القصر بعده، فكذلك إذا نوى القصر لا يجوز له الإتمام؟ قلنا: لأنه إذا نوى الإتمام ترك الترخص، ونوى الصلاة الكاملة وهاهنا نوى الترخص، ثم ترك الرخصة والتزم التامة فلا يجوز له النقصان.
فرع
لو أحرم مسافراً بصلاة نوى القصر فيها فصلى أربعاً تجزيه ويسجد للسهو 64 ب / 3 ولو تعمد ذلك بنية الإتمام لم يجد، وهذا فرع غريب! لأن الزيادة التي توجب سجدة السهو إذا تعمدها أفسدت الصلاة، وهاهنا السهو يوجب السجود والعمد لا يبطل.
وقال بعض أصحاب مالك: لا تجزيه لأن هذا السهو عمل كثير، وهذا غلط لأن هذا من جنس الصلاة فلا يبطلها كما لو صلى خامسة.
فَرْعٌ آخرُ
لو نوى القصر، ثم صلى أربعاً عامداً من غير نية الإتمام بطلت صلاته كمن صلى الصبح أربعاً عامداً.