رضي الله عنه أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لا جمعة ولا تشريق إلا في مصر جامع"، وهذا غلط لما روي عن ابن عباس رضي الله عنه قال: "إن أول جمعة جمعت في الإسلام بعد الجمعة بالمدينة في مسجد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لجمعة جمعت بقرية يقال لها: جُواثا من قرى عبد القيس ومن قرى البحرين، ولأنه بناء استوطنه أربعون رجلاً من أهل الجمعة فيجب عليهم إقامة الجمعة كالمصر. وأما الخبر الذي ذكره قلنا: رواية الأعمش، عن سعيد المقبري، عن علي، والأعمش لم يكن سعيد وعلي رضي الله عنه لم يرفعه إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وقد روي عن عمر رضي الله عنه خلافه، وروي أن أبا هريرة رضي الله عنه كتب يسأله عن الجمعة بالبحرين"، وكان عامله عليها فكتب إليها عمر رضي الله عنه أن جمعوا حيث كنتم، ثم نحمله على أنه أراد أنها لا تقام خارج المصر ولكن يقيمها فيه.
والضرب الثاني: من لا تلزمهم إقامة الجمعة في موضعهم ويلزمهم 86 ب /3 حضور المصر لأجلها، وهو أن يكونوا دون الأربعين في موضع لا يبلغهم النداء من المصر.
والثالث: من لا تلزمهم إقامة الجمعة في موضعهم ولا يلزمهم حضورها في المصر، وهو أن يكونوا دون الأربعين في موضع لا يبلغهم النداء من المصر، وبه قال عبد الله بن عمرو بن العاص، وسعيد بن المسيب، ومالك، وأحمد، وإسحاق، والليث، إلا أن مالكاً والليث قدراً ذلك ثلاثة أميال، وقال أحمد: فرسخ وهو لقولهما وعندنا لا تتقرر المسافة.
وقال أبو حنيفة رحمه الله: لا تجب الجمعة على من كان خارج المصر بحال، وقال ربيعة: تجب على من كان في أربعة أميال، وقال الزهري: ستة أميال، وقال الأوزاعي: إن كانوا إذا صلوا الجمعة أسكنهم أن يأووا بالليل إلى منازلهم تلزمهم الجمعة وإلا فلا، وبه قال ابن عمر، وأبو هريرة، وأنس رضي الله عنهم وهو مذهب أبي ثور.
وقال عطاء: تجب على من كان على عشرة أميال وهو قريب من هذا. واحتج أبو حنيفة رحمه الله بما روي عن عثمان رضي الله عنه أنه وافق يوم الجمعة يوم العيد، فقال: لأهل العوالي من أراد منكم أن ينصرف 87 أ/ 3 فلينصرف، ومن أراد أن يقيم حتى يصلي الجمعة فليقم. وهذا غلط لما روى عبد الله بن عمرو أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "الجمعة على من سمع النداء"، ولأن ما قالوه خلاف إجماع الصحابة لأنهم اختلفوا على قولين.
فمنهم من اعتبر سماع النداء، ومنهم من اعتبر أن تمكنه البيتوتة عند أهله فلا يجوز إحداث قول ثالث، وأما خبر عثمان لم يذكره أحد من أصحاب الحديث فلا يثبت، ثم نحمله على أنه أراد فلينصرف ويعود. فإذا تقرر هذا فصفة سماع النداء: قال أبو إسحاق ـ رحمه الله ـ يعتبر سماع النداء من آخر البلد لا من المسجد، فينادي رجل